الأحد، 25 أكتوبر 2009

بطالة النساء في سورية مازالت مرتفعة


علياء تركي الربيعو


ما زالت النساء تمثل نسبة قليلة جدا من العمالة الإجمالية في سورية, ولكن النسبة كانت ترتفع ببطء في السنوات الأخيرة. إن استطلاعا نشره المكتب المركزي للإحصاء (جهة حكومية) أواخر السنة الماضية أظهر أن نسبة النساء في عمر العمل (المحدد بمن عمر بين 15-65) التي كانت تعمل في عام 2007 لا تزيد عن 14%, وأن هذه النسبة تشكل حوالي 16% من إجمالي العمالة.
وأظهر الاستطلاع الرسمي أن حوالي نصف العاملات هن في القطاع العام، وخمسهن في الزراعة، فضلا عن 20% اللواتي يعملن في الخدمات والبيع، و7% في الصناعة, ومعظمهن في صناعة النسيج, والبقية يعملن في العقار والمال وقطاع النقل. وأظهرت الدراسة أيضا أن النساء العاملات في مجالات تتطلب المهارات الفنية هن أقل بكثير من نظرائهن الرجال.

نظرة المجتمع لعمل المرأة
يعلق الخبراء في الشؤون الإجتماعية اللوم حول معدل التشغيل المنخفض جزئيا على الرأي العام الذي لا يؤيد خروج النساء للعمل، بشكل عام، بدلا من البقاء في البيت. وقال أكرم القش وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق إن "النساء اللواتي يرغبن في دخول سوق العمل تواجههن الكثير من المشكلات بما فيها التعليم والتقاليد."

عمل المرأة رهن الظروف المعيشية
ورغم ما سبق الا ان الأرقام تظهر أن أكثر النساء المتزوجات يعملن لتعزيز دخل البيت في الوقت الراهن. و كانت نسبة النساء اللواتي يؤمن القسم الأهم من دخل العائلة قد ارتفعت إلى 11% بالمقارنة مع 10% في 1994 حسب ما يقول الاستطلاع. وفي هذه الصدد قال بسام القاضي، مشرف مرصد نساء سورية (وهو موقع انترنت مقره في دمشق): "بشكل أكثر النساء يأخذن دورا مهما في العائلة بعد الطلاق أو بعد وفاة أزواجهن". وأشار السيد القاضي إلى أنه عندما تجد النساء أنفسهن في مثل هذه الأوضاع يقل احتمال أنهن سيرجعن إلى بيوت عائلاتهن.

وترجع راغدة الأحمد، النائبة لرئيسة الاتحاد العام النسائي، هذه التيارات الجديدة إلى الضغوط الإقتصادية المفروضة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة أكثر منه بسبب التحول الجذري في الرأي العام.
وفي الوقت نفسه، وحسب ما قالته ريم الجابي من الصندوق الإنمائي للامم المتحدة (UNDP)، فإن عدد النساء اللواتي يحصلن على الشهادات الجامعية يرتفع, إذ تشير الأرقام الرسمية إلى أن ما يقارب نصف النساء السوريات يتابعن التعليم العالي. ومع أن عدد النساء العاملات مرتفع إلا أن أغلبهن يعملن في أعمال وظيفية، لا تتطلب مهارات فنية عالية.

الاتجاه نحو القطاع الحكومي
إن القطاع العام هو الأكثر توظيفا للنساء, إذ تكون قطاعات التعليم والصحة والخدمات العامة للنساء أكثر استقرارا بالنسبة لساعات الدوام وظروف العمل. على خلاف ذلك يجد الاستطلاع أن ربع الرجال فقط يعملون في القطاع العام حاليا.
وتقول باسمة الخوري عضوة بارزة في الاتحاد العام النسائي إن "العمل في الحكومة يحمي النساء, وأنهن لسن مضطرات للعمل ليليا أو في الأعمال الجسدية الشاقة." وهن يجلبن الفوائد العائلية وميزات أخرى ليست متوفرة في القطاع الخاص دائما. هكذا يقول خبراء الجندر إن قوانين المساواة تُحترم في القطاع العام حيث الكثير من الموظفين في القطاع الخاص يميّزون ضد النساء في أمور الراتب وأنواع الأعمال المتوفرة لهن.
غير أنه يرى البعض أن العمل في أعمال إدارية متدنية المستوى في القطاع العام يمنع النساء من البحث عن فرص عمل أكثر تحدّ. كما تقول علا تركي وهي إمراة عمرها 27 عاما ترأس فرعا من بنك خاص في دمشق: "العمل الحكومي لا يعطي للنساء فرصة التحسن ولا يساعدهن في تحقيق طموحاتهن."

مبادرات غير كافية

فيما يخص هذا الشأن فقد شهدت السنوات الأخيرة عددا من المبادرات الحكومي والخاصة لتشجيع النساء على الإبداع التجاري. على سبيل المثال عقدت الحكومة السورية بالتعاون مع ال"UNDP" في كانون الأول الماضي ورشات تغطي البلد من أجل تأهيل النساء لإطلاق مشاريع تجارية صغيرة خاصة بهن وإدارتها. ذلك أن النساء يمثلن أكثر من 60% من المستفيدات من القروض الميسرة لكي يطورن مشاريع اقتصادية جديدة. وفي 2007 أطلقت الحكومة قرضا آخر ليساعد النساء في قطاع الزراعة على إقامة مبادرات تجارية لبيع منتجاتهن.
لكن يرى البعض ضرورة العمل أكثر من أجل إندماج النساء في الحياة الإقتصادية. ومن ناحيتها قالت السيدة الأحمد من الاتحاد العام النسائي إن هناك حاجة لوجود رأس مال أكثر لقروض تكلفتها منخفضة. وقالت إن "بعض النساء في سورية وصلن إلى مواقع صنع القرار في السياسة وفي العالم التجاري, ولكن تظل الأعداد قليلة جدا، وأقل بكثير مما هو متوقع." وحسب ما تقوله طرفة كحيل، ناشطة في موقع نساء سورية في مقابلة لها ، فإن "ما تريده النساء في سورية هي المساواة الحقيقية مع الرجال وتكافؤ الفرص في سوق الأعمال."

الخميس، 1 أكتوبر 2009

حضور مصري لافت في جودة السينما الأدبية ومشاركة عربية ضعيفة

ابراهيم العريس


إذا كان من الصعب القول ان ثمة أفلاماً كثيرة أُخذت عن روايات أو نصوص أدبية أخرى، من بين الأفلام المئة التي تعتبر - بإجماع النقاد والمؤرخين - أعظم الأفلام في تاريخ الفن السابع في العالم، فإن هذا القول لا يبدو بعيداً من الصواب ان نحن تحرينا تاريخ السينما المصرية في شكل عام وحاولنا معرفة أي هي أفلامها المئة الافضل. فمن الأرض» ليوسف شاهين (المأخوذ عن رواية عبدالرحمن الشرقاوي) الى «الحرام» لهنري بركات (عن رواية يوسف ادريس) الى «بداية ونهاية» و «القاهرة 30» المأخوذين عن روايتين لنجيب محفوظ، من اخراج صلاح أبو سيف، مروراً بعشرات الأعمال الكبيرة الأخرى في السينما المصرية، عرفت هذه السينما كيف تنهل من التراث الرائع والعريق للأدب الروائي والقصصي المصري. بل ثمة كتّاب كبار نُقل معظم أعمالهم الى الشاشة السينمائية (راجع في مكان آخر من هذه الصفحة). وثمة كتّاب كتبوا مباشرة للسينما، كما فعل نجيب محفوظ حين كتب «درب المهابيل» لتوفيق صالح، أو أمين غراب حين كتب «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف، ثم حولها الى رواية منشورة.

نريد من هذا ان نقول، طبعاً، ان العلاقة بين السينما المصرية والأدب الروائي والقصصي في مصر، كانت على الدوام علاقة وثيقة... وهي لا تزال هكذا حتى اليوم، على رغم السقوط المدوي للسينما المصرية في أحضان الهزل وسينما المغامرات التي من الصعب تصور تحدرها من نصوص أدبية جدية. ولكن يكفي أن يقتبس وحيد حامد، على سبيل المثال، رواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، ليحقق مروان حامد فيلماً سرعان ما يكون الأبرز في مصر خلال السنوات الأخيرة.

والحقيقة أن علاقة الأدب بالسينما في مصر، بدأت باكراً، وربما قبل البداية الرسمية للإنتاج السينمائي المصري في فيلم «ليلى» لعزيزة أمير، إذ نعرف أن بعض أهل السينما فكر بأن يكون فيلم مقتبس عن رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، أول فيلم مصري (علماً أن مؤرخين كثراً يرون، خطأً أن «زينب» هي بدورها الرواية المصرية الأولى). طبعاً تأخر ظهور «زينب» شهوراً قليلة عن «ليلى»، فكان واحداً من أول الأفلام، وبداية سعيدة لتحول أعمال أدبية مصرية كثيرة الى أفلام، وليس فقط بالنسبة الى نصوص كلاسيكية وواقعية حملت تواقيع كبار أدباء مصر، نصوصاً، وكبار مخرجيها، تحقيقاً. وهذا من دون أن نصل الى الحديث عن اقتباسات مصرية (سعيدة أو غير سعيدة) لأمهات الروايات والمسرحيات العالمية، حيث ان هذه حكاية أخرى... ونعرف طبعاً في هذا السياق أن كل أنواع الأدب المكتوب في مصر، عرفت طريقها الى الشاشة، بما في ذلك النصوص الأكثر تجريبية، مثل «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان («الكيت كات» لداود عبدالسيد) أو «سارق الفرح» لعبد السيد نفسه، عن قصة لخيري شلبي... والنصوص الأكثر صعوبة («الجبل» لفتحي غانم في فيلم من توقيع خليل شوقي. وهذا الفيلم يحيلنا طبعاً الى شبيه له، جزئياً في موضوعه، هو تحفة شادي عبدالسلام الوحيدة - في مجال الفيلم الروائي الطويل - «المومياء»، الذي يعتبره كثر مبنياً على سيناريو أصلي، مع انه في حقيقته يجمع بين رواية «الجبل» ونص علمي للمعماري الكبير حسن فتحي هو «العمارة مع الشعب»، الذي كان بدوره في أصل «الجبل»)، أو حتى النصوص الأكثر جرأة، سياسياً على الأقل، مثل «الكرنك» و«ميرامار» عن روايتين لنجيب محفوظ...

سينما لكل الأنواع

طبعاً لا يمكننا أن نورد لائحة كاملة بكل ما نقلته السينما المصرية عن الأدب المحلي، لكننا في المقابل قادرون على التأكيد ان هذا النقل يشمل الكتّاب جميعاً، من يحيى حقي («قنديل أم هاشم») الى طه حسين («دعاء الكروان» و «الوعد الحق» و «الحب الضائع»... الخ) وفتحي غانم («الرجل الذي فقد ظله»)... وصولاً الى بهاء طاهر (المبدع الذي إذا كانت السينما خسرت روايته الرائعة «خالتي صفية والدير» لمصلحة التلفزيون، فإن فيلماً مقتبساً عن روايته «نقطة نور» هو الآن قيد التحضير)، الى ابراهيم أصلان ويوسف ادريس (الذي اقتبس في السينما مرات عدة، وما زالت أعمال كثيرة له، منها روايته الرائعة «البيضاء» تنتظر أفلمة ما...) وطبعاً يوسف السباعي (الذي كان كاتباً سينمائياً محترفاً، مدّ الإيديولوجية الناصرية بأعمال كثيرة... ومع هذا يظل أفضل اقتباس سينمائي لعمل من أعماله، فيلم «السقا مات» لصلاح أبو سيف) من دون أن ننسى محمد عبدالحليم عبدالله برومانسياته التي كادت تكون وقفاً على المخرج أحمد ضياء الدين، وسعد الدين وهبة الكاتب الذي مدّ السينما بأفلام أخذت عن مسرحيات له وأخرى عن قصص قصيرة، كما مدّها بعدد من أفضل السيناريوات. والحقيقة اننا، هنا، في مجال الحديث، عن كتّاب السيناريو في مصر، سيكون مفيداً أن نذكر أن عدداً كبيراً من أفضلهم انما جاء من الكتابة الأدبية، لا من معاهد السينما، إذ نعرف أن وحيد حامد كان اصلاً كاتباً للقصة القصيرة وكذلك حال مصطفى ذكري (صاحب «عفاريت الإسفلت» بين أعمال مميزة أخرى). وفي المقابل يُذكر بالخير الكاتب يحيى عزمي، الذي أتى من دراسة السينما في موسكو، ليكتب، عن قصتين مدموجتين ليحيى الطاهر عبدالله واحداً من أفضل السيناريوات المقتبسة عن عمل أدبي: «الطوق والأسورة» الذي حققه خيري بشارة.

ونحن إذا كنا ذكرنا في هذه العجالة، هذه الأسماء، نعرف أنها ليست كل الأسماء، حيث ندر - في الحقيقة - أن كان هناك كاتب مصري، على الأقل خلال النصف الثاني من القرن العشرين، لم يتدخل في مهنة الكتابة للسينما، وأحياناً في الكتابة عنها (يحيى حقي مثلاً، أو حتى صلاح عبدالصبور). غير أن ما يمكن رصده خلال العقود الأخيرة هو ذلك التضاؤل في وتيرة العلاقة بين النوعين الإبداعيين. وإذا كنا نعرف أن فيلماً لعلي بدرخان مأخوذاً عن قصة «أهل القمة» لنجيب محفوظ، شكل البداية الحقيقية للنهضة التي عرفت في ثمانينات القرن العشرين بـ «الواقعية الجديدة» (محمد خان، خيري بشارة، داود عبدالسيد، عاطف الطيب...)، فإننا نعرف أيضاً، ان انفتاح أصحاب هذا التيار على الواقع المصري المثير، غالباً، لغضبهم، جعلهم ينطلقون في أفلامهم من رؤى صيغت مباشرة للسينما، ما حرم السينما المصرية من مواصلة طريقها في استلهام الأدب، ولا سيما منه أدب الستينات الذي كان ثورة مدهشة في أشكال الفن الروائي في مصر ومضامينه... وقد أدى هذا الى إبعاد كتّاب كثر عن السينما، بحيث صارت من تراث الماضي تلك الظروف التي، مثلاً، جعلت توفيق الحكيم يكتب لعبدالوهاب، مباشرة، نصاً حُوِّل الى ذلك الفيلم الظريف «رصاصة في القلب». ولكن، وكما ألمحنا، حين يحدث بين الحين والآخر أن يقتبس سينمائي واع نصاً أدبياً، غالباً ما يأتي الفيلم مميزاً: «الحب في هضبة الهرم» و «قلب الليل» لعاطف الطيب، «الكيت كات» لعبد السيد، على سبيل المثال لا الحصر... و «زيارة السيد الرئيس» لمنير راضي، عن رواية ليوسف القعيد...

... وفي البلدان العربية

إذا كان كل كتّاب القصة والرواية، قد حضروا في السينما المصرية في شكل أو في آخر، فإن ليس في امكاننا ان نقول الشيء نفسه عن بقية البلدان العربية التي عرفت، في مرحلة أو أخرى، انتاجاً سينمائياً... إذ في سورية كما في لبنان، في المغرب كما في فلسطين والعراق وبلدان الخليج وفي الجزائر، ثمة عشرات - ان لم يكن مئات - النصوص الأدبية لا تزال تنتظر من ينقلها الى الشاشة الكبيرة (ولندع هنا الشاشة الصغيرة جانباً، التي كانت في معظم الحالات أكثر نشاطاً في هذا السياق)... ففي سورية مثلاً، حتى وان كان بعض نصوص حنا مينه، ونص أو أكثر لحيدر حيدر أو فيصل خرتش (صاحب «تراب الغرباء») قد عرفت طريقها الى الشاشة، فإن ثمة لمينه وغيره، كذلك لكوليت خوري وياسين رفاعية وحيدر حيدر وممدوح عزام وحتى عبدالسلام العجيلي، أعمالاً كثيرة، تنتظر أفلمة ما... ربما سيحين وقتها حين يتخفف السينمائيون السوريون من الأعباء الايديولوجية والرغبة في جعل ذواتهم موضوعاً للأفلام.

في لبنان، في المقابل، يكاد ينحصر الاقتباس السينمائي عن الأدب في فيلمين لافتين، أولهما حقق في سنوات الستين عن رواية «الأجنحة المتكسرة» لجبران خليل جبران (الراحل يوسف المعلوف وهو مصري من أصول لبنانية)، والثاني، تجربة بهيج حجيج في أفلمة رواية مميزة لرشيد الضعيف هي «المستبد» تحت اسم «زنار النار»... ولئن حلم برهان علوية طويلاً بعلاقة لسينماه مع الأدب تتمثل في سيرة لجبران عن شبه - رواية كتبها جان - بيار دحداح، فإن هذا الحلم لم يتحقق حتى الآن.

أما في العراق فإن سنوات الازدهار السينمائي شهدت اقتباسات من غائب طعمة فرمان («خمسة أصوات») ومن غيره، ما يجعل التجربة العراقية تذكر بالخير، على عكس التجربة الفلسطينية في هذا المجال، والتي لا تزال مقتصرة على نصين أو أكثر لغسان كنفاني (من بينهما الفيلم السوري «المخدوعون» تحفة توفيق صالح). علماً أن التجربة الفريدة من نوعها في المشرق العربي تبقى اقتباس خالد الصديق لرواية «عرس الزين» للسوداني الطيب صالح، في فيلم كويتي، تلى «بس يا بحر» للصديق، الذي وضع عن تجربته تلك كتاباً في غاية الطرافة والفرادة...

وما يقال عن المشرق العربي في هذا السياق، يمكن قوله عن المغرب العربي، حيث لا يزال الاقتباس الأدبي في السينما نادراً، على رغم بدايات أتت مشجعة وواعدة «الأفيون والعصا» لأحمد راشدي وبعض التجارب المغربية الأخرى...

طبعاً ليس المجال هنا كافياً لتحليل هذه الظاهرة السلبية... ولكن تبقى ضرورية الإشارة مرة أخرى الى أن التجربة المصرية مع الأدب كانت وتبقى ناجحة في معظم الحالات، حتى وإن كنا نعرف أنه قليلاً ما تحقق لفيلم حقيقي مأخوذ عن نص أدبي، نجاح جماهيري كبير ونجاح في شباك التذاكر... ولكن - ونكاد نقصر حديثنا الختامي هذا على الحالة المصرية - نعرف بالتأكيد ان العدد الأكبر من الأفلام المقتبسة عن نصوص أدبية يتعلق بأفلام تشكل علامات أساسية في تاريخ هذا الفن


المصدر صحيفة الحياة


مواضيع ذات صلة


الأدب والسينما / احالة حول التجربة المصرية
http://www.inanasite.com/bb/printview.php?t=7648&start=0&sid=7c35738b9d5f5ffb454119170a0be481

سينما نجيب محفوظ : واقعية وجريئة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=138792

ما هى السينما المصرية والعربية
http://dvd4arab.maktoob.com/archive/index.php/t-1733725.html

هل تعود السينما الى احضان الأدب؟
http://www.awan.com/pages/culture/220323

الأحد، 27 سبتمبر 2009

جمعية جديدة تدعو لتعدد الزوجات

الداعي الى ستر بنات المسلمين " هذا ما يطلقه على نفسه الحاج نصري ابو غلوس مؤسس جمعية تعدد الزوجات في الاردن


لا يتردد ابو غلوس البلغ من العمر ( 58 عاما )، و الذي تزوج 15 مرة في حياته (يحتفظ باربع على عصمته) و انجب من هذه الزيجات 31 ولدا مع أحفاد فاقوا العشرين حفيدا، و الذي لم يكمل من تعليمه سوى للصف السادس الابتدائي، ويمتلك عدة شركات ومحال للأدوات الصحية في رأس العين بالاردن ، لا يتردد‏ في اعتبار أن "كثرة الزواج ليست وجع رأس". بل ويدعو أكثر إلى "تعدد الزوجات وتعميمه"
من خلال جمعيته الجديدة لتعدد الزوجات .


تشجيع الرجال على التعدد
يتحدث ابو غلوس عن الجمعية التي انشاها و يقول "هذه جمعية افتراضية وأنا نائب لعديلي السعودي الذي تزوج نحو 20 من النساء ولديه اليوم أكثر من 60 ابنا"
يمتلك ابو غلوس بطاقة تعريفية باسمه يوزعها على الرجال الذين يقابلهم في حياته بغرض تشجيعهم على تعدد الزوجات ، يقدم ابو غلوس نفسه بالبطاقة على انه "نائب جمعية تعدد الزوجات " و “الداعي إلى ستر بنات المسلمين”
ما يميز بطاقة التعريف الخاصة بابو غلوس ليس فقط العبارتين السابقتين ، بل الشعار الموضوع على يسار البطاقة و المكون من هلال بداخله اربع نجمات مختلفة الالوان .
ويشرح أبو غلوس للجزيرة نت شعار جمعيته ويقول "الهلال هو الرجل، والنجمات هن النساء اللواتي أحل الله للرجل الجمع بينهن". ويضيف "تعمدت وضع كل نجمة بلون لأن النساء غير متشابهات".



فائدة التعدد و اصله
يرى ابو غلوس بان منع التعدد يشيع الفاحشة في كثير من الأحيان ، ويطالب بالنظر لما تعانيه المجتمعات الغربية من "ظلم للمرأة"، ويؤكد أنه يدعو كل رجل "قادر ماديا وجسديا ويمكنه العدل بين الزوجات" إلى التعدد، لذا فهو يصف الرجال الرافضين للتعدد ب"الجبناء " و المرأة التي تحرم التعدد على زوجها "تحرم ما أحل الله".
ويؤكد ابو غلوس أن الأصل في الشريعة الاسلامية هو التعدد ويقول "أنا أنتمي لمدرسة لديها من النصوص الشرعية ما يكفي للدلالة على أن الأصل هو التعدد والاستثناء هو الزواج بواحدة".
ولا يرى أبو غلوس أن “فقر الرجل وعدم اقتداره ماليا يمنع تعدد الزوجات فهو يؤمن أن الرزق يأتي بعروة الأولاد، وأن الله هو الذي يرزق عباده”.
ويؤكد ابو غلوس بأن تعدد الزوجات، يساهم في تقليل نسبة العنوسة في المجتمع. ويلفت إلى أن نسبة العنوسة بين الفتيات في الأردن مرتفعة والعمل على التشجيع على الزواج بأكثر من واحدة يعمل على محاربة العنوسة.
وتشير دراسات اعدتها وزارة التنمية الاجتماعية في الاردن إلى أن معدلات العنوسة في المملكة تجاوزت مئة ألف فتاة، تزيد أعمارهن عن ثلاثين عاما وتخطين سن الزواج في نهاية عام 2007 ، فيما تشير إحصائيات اعدتها جمعية العفاف الخيرية الاردنية مؤخرا إلى أن متوسط سن الزواج ارتفع إلى ثلاثين سنة للذكور و29 سنة للإناث.


تعدد الزواج مشكلة ام حل
و تنقسم الاراء بالنسبة الى موضوع التعدد ، فبين من يراها بانها قد تحل مشكلة و اولها العنوسة ،يرى البعض بانها قد تخلق مشاكل اخرى كالطلاق و تفكك الاسرة .
تقول حنان علي ،ربة منزل،" تعدد الزوجات ليس حلاً لمشكلة العنوسة الموجودة داخل المجتمعات العربية الموجودة، فحل المشكلة عن طريق التعدد سينجم عنه مشكلة أكبر وهي الطلاق؛ وذلك لأن الكثير من الزوجات لن تقبل بوجود امرأة أخرى في حياة زوجها!".
وتؤيد ريم أحمد ، زوجة أولى تزوج عليها زوجها،هذا الامر و تقول " أنا ضد موضوع تعدد الزوجات تماماً، يكفي أنني فقدت الاستقرار في حياتي بعدما تزوج زوجي ولم أعد أجده بجواري

".
بينما يرى ياسر الزعاترة كاتب اردني في حديث له نقلا عن الجزيرة نت بانه يمكن للمرأة التي فاتها القطار أن تقبل برجل متزوج على أمل أن يكون لها بيت وتكون لها أسرة، فما من شيء يمكن أن يعوض المرأة عن دفء الأسرة والزوج والأبناء.
و يؤكد على ذلك احمد خلف ،مدرس فيرى ان تعدد الزوجات هو أمر مشروعا وحل لكثير من المشكلات الاجتماعية، فهو يتيح الفرصة لكثيرات ممن فاتهن قطار الزواج أو طلقت أو توفي عنها زوجها أن تشعر بشيء من الاستقرار والأمان في كنف رجل يرعاها.
الا ان رغداء الاحمد ناشطة في مجال حقوق المرأة ترى بان الزواج الثاني اصبح يتم بغرض إشباع النزوات فقط، دون النظر إلى كونه وسيلة من وسائل إصلاح خلل ما في المجتمع كارتفاع نسبة العنوسة وما إلى ذلك.
ويرد الزعاترة على من يأخذ القضية من زاوية كرامة المرأة بالقول "هؤلاء لا يرون أن هناك رجالا يرفضون من قبل نساء كثيرات نظرا لقلة إمكاناتهم، وأن اللواتي قبلن برجال متزوجين قد فعلن ذلك بإرادتهن، مفضلات ذلك على العنوسة ".


تاثير المجتمع على التعدد

و براي الكثيرين فان مسالة تقبل المجتمع لمسالة التعدد تخضع لامور معينة ،اولها تاثير المجتمع على هذا الامر و هذا ما يؤكده الزعاترة اذ يقول"بأن البعد الاجتماعي يؤثر في قضية التعدد، لانه يتوفر أزواج يرغبون في التعدد ولديهم القدرة المالية والجسدية، لكنهم لا يفعلون خوفا من زوجاتهم، أو خشية التأثير على استقرار البيت الأول ومشاعر الأولاد، وهي قضية تتأثر بالواقع الاجتماعي ويمكن أن تتغير بمرور الوقت


حكمة لتعدد الزوجات
يتابع أبو غلوس، المتزوج من نساء من عدة جنسيات عربية، اعطاء رايه في هذا الموضوع ممازحا أن “المتزوج من واحدة إذا مرضت مرض معها، والمتزوج من اثنتين يقع بين نارين، والمتزوج من ثلاث عريس كل ليلة، والمتزوج من أربعة أسد في غابة”. وهو يؤمن بحكمة أن ” الرجل مدد، والمرأة عدد”.
و يختم قائلا " أنا جمعية وتجربة ناجحة قائمة وليزرني أي رجل وسأقنعه بالتعدد".


روابط لمواضيع ذات صلة

http://www.alghad.jo/?news=448061

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/70F44A21-9F47-4970-A6E8-36E983EDBECA.htm

الخميس، 17 سبتمبر 2009

كيفية تقييم مواقع الانترنت الصحفية

من المهم تقييم المواقع الإخبارية ومدى جديتها على الانترنت من خلال طرح الأسئلة التالية:

- من الذي أنشأ الموقع و يقوم بتزويده بالمضمون؟ بإمكانك أن تقوم ببحث حول اسم الموقع او اسم المؤسسة أو الشخص الذي أنشأه، ومحاولة إيجاد معلومات حول مدى خبرة هذه المؤسسة أو الشخص من خلال دراسة إعمالهم السابقة لتحديد مصداقيتهم. و يمكن استخدام مواقع مثل http://www.whois.com و http://www.domaintools.com لمعرقة المزيد من المعلومات عن صاحب الموقع.




- ما هو محتوى الموقع؟ هل المواد الموجودة بالموقع مواد ترويجية أم إخبارية؟ هل الموقع مجرد أداة دعائية للمؤسسة الإعلامية أم يحتوى علي معلومات مفيدة وجديدة. يقول جيمس سي. فوست في كتاب "الصحافة الالكترونية: مبادئ وممارسات الأخبار على الشبكة الالكترونية" أن "محتوى الموقع أحد أوضح المؤشرات على أهدافه الصحفية."

- هل المعلومات دقيقة؟ ابحث عن أخطاء إملائية أو نحوية. كيف تمت كتابة التقارير؟ هل تشعر بالجدية والاحتراف؟ هل المعلومات الموجودة بالموقع دقيقة أم مبالغ فيها؟ هل تم إسناد المعلومات إلى مصادرها؟

- هل يتم تحديث المعلومات؟ يعتبر تحديث المعلومات بشكل دوري مؤشر هام على جدية الموقع والقائمين عليه. فعلى سبيل المثال إن اتجهت إلى موقع ما ووجدت أخبار الأسبوع الماضي على الصفحة الرئيسية يستبعد انك ستزور الموقع مرة أخرى للحصول على آخر الأخبار. احد أهداف المواقع الإخبارية الرئيسية هو جذب المستخدمين وعليه فالتحديث بشكل مستمر يساعد على تحقيق ذلك.

- ما هو شكل الموقع؟ تستطيع أيضا من تصميم الموقع واختيار ألوانه أن تحدد جديته. إن كان الموقع يستخدم ألوان كثيرة و فاقعة لجذب الانتباه من الصعب اتخاذ محتواه جديا.

الصحافة الالكترونية

هي كتابة وإنتاج الأخبار المرئية والصوتية لمواقع اليكترونية. لا تعني الصحافة الاليكترونية مجرد نسخ الخبر كما هو ولصقه على الموقع الاليكتروني. هناك طرق معينة للكتابة و لتنظيم الخبر ولتصميم المواقع الإخبارية. لابد أن تكون المواقع الإخبارية المرتبطة بمؤسسات إعلامية أكثر من مجرد واجهة دعائية للمنظمة الإعلامية

.فوائد الصحافة الالكترونية:

- السماح للمستخدم باختيار الترتيب والطريقة التي يتصفح بها الموقع.
- توفير مساحة غير محدودة للأخبار.
- توفير الأخبار بصورة فورية ومستدامة.
- وجود أرشيف وخاصية البحث والقدرة على استرجاع المعلومات.
- استخدام أدوات الوسائط الإعلامية المتعددة.
- التفاعل مع المستخدم و السماح له بإبداء رأيه والتعليق على الخبر والتحاور مع الصحفيين والمحررين والمستخدمين الآخرين.
السماح بالتصحيح الفوري للأخطاء


تاريخ الصحافة الالكترونية

لقد أصبحت شبكة الانترنت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للعديد من الناس. كما أنها تعتبر أداة حيوية للصحفيين. ولكن كيف كانت
البداية؟ بدأت شبكة الانترنت كمشروع قامت به وكالة مشاريع البحوث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في السبعينيات لربط المشئات من أجهزة الكمبيوتر بشبكة تعرف باسم اربانت ARPANET. وكان الهدف من المبادرة إيجاد وسيلة اتصال وتواصل بين الباحثين والمسؤولين الحكوميين في حالة وقوع هجوم نووي.

وحتى الثمانينات لم تكن هناك أية مواقع الكترونية. كان تداول المعلومات من خلال النص وتطبيقات بروتوكول نقل الملفات (PΤF) فقط. بعد ذلك، تم إنشاء النص التشعبي للغات الرموز المعروف باسم (HTML) لجعل الاتصال بين العلماء أسهل. وقد أتاح (HTML) سهولة عرض النص، والصور، والجرافيك على نفس الشاشة، وأتاح للمستخدمين سهولة التنقل من صفحة إلى أخرى عن طريق الروابط..

مقدمة

ما اشرنا في المقدمة من المتوقع أن يكون المشاركون على دراية بالمبادئ الأساسية للصحافة، لكن قبل أن نبدأ فيما يلي تذكير سريع وموجز بمبادئ الصحافة بشكل عام.

العدل: عليك أن تتعامل مع أي موضوع دون تحيز، والاستماع إلى جميع الجوانب.

إسناد المعلومات إلي مصادرها: على الصحفي أن يوضح مصدر كل المعلومات التي يحتويها تقريره. الآن في عصر الانترنت يمكن أيضا أن يضيف رابط إلى مصدر معلوماته، إذا كان المصدر موقع الكتروني آخر.

الدقة: يجب على الصحفي التدقيق في جميع الحقائق التي يحتويها تقريره، والتأكد منها قبل نشرها. يشكك البعض أحيانا بالمعلومات التي تورد على شبكة الانترنت و يقللوا من أهميتها وجديتها لذلك تقع على عاتق الصحفيين مسئولية التحقق من المعلومات من اجل بناء مصداقية تقاريرهم وموقعهم.

صلة الموضوع وأهميته للجمهور: ما هي أهمية موضوع التقرير للقراء أو المشاهدين أو مستخدمي الانترنت؟ يجب أن يكون الموضوع ذو أهمية للمجتمع. وعلى الصحفي أن يكون على دراية بما يهم ويؤثر في الجمهور.

الحداثة: بنشر معلومات جديدة لم تكن متوفرة ومعروفة من قبل.

هذه المبادئ الأساسية للصحافة لا تتغير بالصحافة الالكترونية، و بالرغم من الاختلافات ما بين أنواع الصحافة المختلفة والصحافة الالكترونية، والتي سنتطرق إليها في وقت لاحق.

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

عودة الإثنيات في عصر العولمة

دمشق - علياء تركي الربيعو

«إفلاس الإنسانية» هذا ما توصل إليه الكاتب الألماني كارستن فيلاند في المحاضرة التي أقيمت في المركز الثقافي الألماني بدمشق، شاركه فيها الدكتور صادق جلال العظم، والتي كانت بعنوان «الإثنية والسياسة»، تم خلالها مناقشة كتاب فيلاند «الدولة القومية خلافا لإرادتها» الذي ترجم للغة العربية في العام 2007 عن دار المدى بدمشق.
عقّب الدكتور العظم على ما جاء في كتاب فيلاند خلال المحاضرة، فلم يوافق العظم على ما أسماه فيلاند بـ«إفلاس الإنسانية»، مشيرا إلى أن الدول الغربية هي التي همشتها واستبعدتها وأهملتها، فانتهاء الحرب الباردة ساهم في ظهور الإثنية، لأن الدول الفاعلة والمقررة تبنت هذا المفهوم، لكونه الأسهل في التعامل مع الدول الأخرى.






بدأت المحاضرة بشرح فيلاند وجهة نظره على ما جاء في كتابه في القسم الأول من المحاضرة، إذ تحدث عن مفهوم الإثنية وكيف تكونت، مشيرا إلى أن سقوط جدار برلين ساهم في بداية الصراعات الإثنية في العالم، فقد شهد العالم تطورا ملحوظا بعد سقوط جدار برلين، ليس فقط في ألمانيا، ولكن في أوروبا كلها في العام 1989، إذ أمل الناس آنذاك أن يروا العالم وقد تحول الى مواطنة وعالم متنور، عالم يمكن أن يواجه المشاكل الكونية، ولكن لسوء الحظ هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، ولم تتحقق، بل بدلا من ذلك هناك ما نسميه بالإثنية التي ظهرت وأضحت على أجندة الدول في أوروبا، متمثلة في حروب البلقان في بداية التسعينيات من القرن العشرين.
وأشار فيلاند إلى أنه أصبح لدينا اليوم ما يسمى بالمفهوم الألماني، وموضوع الأمة العضوية والإثنية التي في بعض الحالات المتطرفة هي العرق، أي أن لدينا مجموعة من الناس بين مفهومين، مجموعة مفتوحة ومجموعة يغلب عليها العنصر العاطفي الذي يصعب عليك الخروج من إطارهما، إذا الإثنية أو ما نسميها بالبيئة «بيئة الأمة الإثنية» هي التي لا تنظر إليك كشخص، ولإرادتك، بل كمصدر وممول سياسي.
ومن ثم أخذ فيلاند يوضح العناصر المكونة للمفهوم الإثني بين المجتمعات والتي صنفها لخمسة عوامل، أولها الدين الذي يشكل المفارقة الرئيسية بين المجموعات، مشيرا إلى ما حدث في البوسنة ولبنان والعراق والباكستان أيضا.
الأرض .. والعادات
أما العنصر الثاني برأي فيلاند، هو الأرض، وذلك عندما تربط الأرض بمجموعة إثنية معينة، بحيث تصبح الأرض المكان المقدس للمجموعة، مثل ما حدث في كوسوفو وصربيا.
العنصر الثالث تمثل في اللغة، إذ إن التفرقة بين لغتين لديها نفس المواد الأولية اللغوية تكون لأسباب سياسية، ففي البلقان تعلمنا اللغة الصربية الكرواتية، أو في باكستان، حيث تم تمزيق اللغتين إلى أوردو وهندي وهي لغات واحدة ذات فوارق بسيطة.
العنصر الرابع هو العادات التي تلعب دورا أساسيا في لعب دور التمييز والفروق بين المجموعات الإثنية، فالإثنيون يحاولون التفريق بين المجموعات على أسس ومعتقدات معينة، فهناك في الهند الكثير من المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير وهناك أشخاص لا يأكلون لحم البقر بسبب عادات إثنية، وليست هناك مشكلة برأي فيلاند في هذا التعدد الثقافي، إلا أن ما يثيره هو عندما تتحول هذه الاختلافات إلى أساس في أدبيات وأيديولوجيات الإثنيات السياسية.
العنف ... وآخر الأشجار
العامل الأخير الذي يعزز الفروق موجود على مستوى الحشد السياسي والصراعات السياسية، هو العنف بحد ذاته الذي كثيرا ما نراه وتشهده أيامنا، والذي لا يقتصر على القتل وسفك الدماء، بل العنف الذي تشهده بعض البلدان، والتي تشهد ساحاتها صراعا إثنيا، كالعنف الذي تواجهه بعض النساء من خلال اغتصابهن لاعتقاد الطرف الآخر أن هذه العمليات يمكن أن تعيد ترتيب مكونات الإثنية الأخرى، لكون المرأة المغتصبة سوف تلد طفلا ينتمي لمجموعتها.
ويرى فيلاند أننا كنا نعتقد في بداية التسعينيات أننا تخلينا عن الكثير من هذه المفاهيم، وأنه عصر نهاية الكثير من المفاهيم السابقة، إلا أننا وبالنظر إلى العالم نجد نفس الأخطاء السياسية ترتكب مجددا في الهندسة السياسية لمجالات ما بعد الصراعات في العالم، مثلما حدث في العراق بعد الحرب الاخيرة 2003، الذي ولد ما يمكن تسميته بـ«إثنية السياسة» الأمر الذي رأيناه جليا في كثير من حلول الصراعات التي حدثت في لبنان والبوسنة.
ويصل فيلاند إلى نتيجة أن التغيير الحقيقي للعالم، تم في 1989 عند انهيار جدار برلين، حيث دخلنا الإثنية بعد سقوط الجدار، ودخلنا حربا جديدة «مجموعات ضد دول».
وينهي فيلاند محاضرته بالقول إننا نشهد في أيامنا هذه ما يمكن تسميته بـ«إفلاس الإنسانية»، فعلى الرغم من ما بشرت الإنسانية من «نهاية عصر الداعية»، واقتلاع آخر أشجار الزيتون التي تعبر عن كل ما هو من أفكار قديمة، والتي سيحل محلها القرية العالمية والمواطنة الإنسانية، إلا أنه على أرض الواقع نجد أنه لم نستطع أن نتغلب إلى الآن على مصطلح الولادة على أنها عامل سياسي، وأنها تشير إلى أصل الفرد، لذلك نحن نواجه اليوم تخصيص المجموعات، حيث إن الأشخاص لا يسمح لهم بالابتعاد عما ولدوا عليه.
التهميش الاجتماعي والثقافي
أما في القسم الثاني من المحاضرة فقد تحدث الدكتور العظم، موضحا أن الوضع في الوطن العربي يختلف قليلا عن الدول الغربية، فلدينا بالعالم العربي تفسيرات لما تساءل عنه فيلاند في كتابه، أحد التفسيرات هو أن أسباب الصيرورة الانحداري هي التهميش الاجتماعي والثقافي في المجتمع لمجموعات معينة من جانب فئات أخرى مسيطرة، وينتج عنه عواقب، فأحيانا يكون هناك لجوء للعنف والتقسيم والانطواء على الذات وعدم الإحساس بالمشاركة.
تفسير آخر يطرحه الدكتور العظم، هو أنه مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة التي كان فيها منطق متعال حاكم الكثير من الصراعات الكامنة والتوترات، أي ضابطها بصورة معينة، مع انتهاء الحرب يمكن أن نقول إن انفلات الأمور ساعد على ظهور الإثنية، وأعطى الدكتور العظم مثالا على ذلك، هو ما حدث في الستينيات قصده الحرب بين الهند والباكستان التي اندلعت بقوة، ومن ثم توقفت فجأة وعادت الامور الى ما هي عليه.
أما التفسير الأخير فيرجعه العظم، إلى أنه بعد الحرب العالمية حدث ما يسمى بانفلات العولمة من مراكزها واجتياحها لدول الأطراف عمليا، والذي نراه من هذه الظواهر نوعا من ردود الفعل الانفعالية والمحافظة على الذات فيحدث الالتفاف على الذات ويحدث الصراع على الهوية وتنشأ هوايات جديدة، ولكن نجد لها جذورا وأصولا.
الحال .. والحكومات العربية
بعد المحاضرة فتح باب المداخلات للحضور، الذي كان كبيرا وضم العديد من الشخصيات المثقفة السورية، وأيضا العديد من الشباب،
ما يؤكد الحاجة إلى الشباب السوري وحتى المثقفين لحركة ثقافية نشطة في سورية تخلت عنها المؤسسات السورية الخاصة والعامة، لتأخذ المؤسسات الغربية على عاتقها هذا الأمر.
أحد الأسئلة الذي أثار اهتمام فيلاند تعلق بمدى لوم الحكومات العربية إلى ما آلت إليه الحال في دولها، والذي أجاب عنه فيلاند بأن التحديات مثل أفكار العروبة والقومية ماتزال موجودة، فبالنسبة لحركة التحرر الوطنية ففيها مكونات كما هو الحال في القوميات الأخرى. ووظيفتها كانت إنهاء الاستعمار والامبريالية، أي أن المحتوى كان قوميا إثنيا، وليس الحركة الديمقراطية وفق النموذج الفرنسي، ميزة حركة التحرر العربية أنها لم تدخل في صراعات مع الهوية الدينية، إلا أنه بعد عملية التحرر الوطني تحولت القومية من حركة إصلاح إلى حركة تقلصت حول نفسها وواجهت الآخرين، ووضعت التركيز على الجزء الإثني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما وظيفتها هل هي الاحتفاظ بالعروبة، أم التنوير، أم الوقوف في وجه التغيير؟ بمعنى أو بآخر ما تبقى من حركة التحرر العربية هو كلمة عربي وذهب التحرير على حد قول فيلاند.
يذكر أن كارستن فيلاند هو شخص أكاديمي ودارس للتاريخ، درس في جامعة جورج تاون، وصحافي أمضى وقتا طويلا في الشرق الأوسط، وفي دمشق تحديدا، قام ببحوث ودراسات عديدة في مناطق الصراع مثل البوسنة والهند الباكستانية وجنوب أميركا.

خيوط الحرير تنسل من التكية الدمشقية القديمة

دمشق- علياء تركي الربيعو
كنان طافش شاب فلسطيني الأصل، لكنه يتقن حرفة دمشقية أصيلة ويعتبر مع عدد قليل من الحرفيين الذين يتقون العمل على النول اليدوي الوحيد الآن في دمشق وسورية لصناعة البروكار، يعمل كنان بمحل «أحمد شكاكي» لمنسوجات ومصنوعات البروكار الشرقي، وأغلب المنسوجات من صنع يديه. يقول طافش: «كان هناك نول آخر في مدرسة وجامع العظم، ولكن منذ شهرين فقط توقف عن العمل لأنه يسبب ضجة تزعج المصلين».



يزدان المحل الدمشقي القديم ببنائه ذي الطابع العثماني، وسط عدد من المحال التي كانت من قبل غرفاً للوضوء أيام الفترة العثمانية والتي تتبع للتكية السليمانية التي تتألف من جامع وغرف عديدة، كانت فيما مضى مكان تجمع للحجاج الذاهبين إلى البيت الحرام. يوضع داخل المحل النول اليدوي الوحيد القادر على العمل، تؤسرك الخيوط الحريرية التي يصاغ منها أفضل وأشهر الأقمشة الحريرية في العالم، ألا وهي البركار الدمشقي.
لم يخف ذلك الشاب حزنه لانحسار هذه المهنة وعدم الاهتمام بها من قبل المعنيين، أو حتى من قبل المستهلكين العرب، وحصرها فقط باهتمامات السياح الأجانب الذين يعتبرون البروكار مطلباً مهماً، ولاسيما بألوانه الطبيعية الثرية ونقوشه الشرقية الدقيقة.
يكمل طافش: «زبائني أغلبهم من السياح، قلما أرى سوريين مهتمين بالبروكار، وذلك يعود ربما إلى ضعف الحالة المادية التي تجعل الناس يفضلون اقتناء أساسيات معيشية عن الحرير الدمشقي».
يسكن الحرفي الشاب خوف من اندثار تلك المهنة، فهو ليس صاحب النول وإنما عامل قوى عوده في المهنة، والطريف أن صاحب النول لم يعلم أولاده حرفة البروكار.
يقول طافش: «كل الظروف المحيطة تقول إن هذا النول لن يبقى طويلاً، بدءاً من رغبة وزارة السياحة بترميم التكية، وبالتالي استرجاع المحل الذي نحن فيه منذ 35 عاماً، ثم منافسة النول الآلي وعدم وجود أشخاص راغبين في تعلم هذه الحرفة التي يرون أنه لا مستقبل لها».
يتألف النول من خمس قطع ألا وهي: الماكينة: التي تعتبر مسؤولة عن الرسمة التي سترسم على القماش «تنفيذ التصميم»، والقطعة الثانية: هي الشبكة «الخيوط الصفراء»، وتسمى في حلب «الشبحة»، وتسمى أيضاً «جاكارة»، والشبكة تأخذ المعلومات من الماكينة، وترفع الخيوط المطلوبة لمرور المكوك بينها، والجزء الثالث: «دفة المشط»، وهي قطعة خشبية تحتوي مشطاً تدخل ضمنه خيوط الرداء أو القماش، وكل فرغة في المشط تتدخَّل ضمنها ستة خيوط، والجزء الرابع: مطواية الخيوط، والقطعة الأخيرة: هي مطواية لف القماش، والسداء كما يوضح طافش عملية تسمى عملية التسدية لأجل تحضير خيوط الأرضية.
يضيف طافش «كل خوفي أن أرى هذا النول قريبا في المتحف الوطني مع بقية تراثنا الذي تحيطه الجدران وأعين الزائرين».
وقد عرف أهل دمشق الحرير منذ القرن السادس الميلادي. إذ ساعد موقع دمشق الإستراتيجي السابق على طريق الحرير في تفرد الصناع المهرة في دمشق بهذا النوع من القماش الحريري ألا وهو البروكار . إذ يصنع البروكار من الخيوط الحريرية الطبيعية التي تدخل فيه المادة الذهبية أو الفضية، لتزيد من جماله وبهائه. يعرف في الغرب باسم (الدامسكو) نسبة إلى دمشق، وتعرضت هذه الحرفة إلى صعوبات في السابق أدت إلى شبه انقراضها، كنقص القوى العاملة الخبيرة بها، وذلك بسب استجرارهم إلى الحروب والأزمات، ولاسيما أيام العثمانيين الذين كبلوا تجار البروكار بالمزيد من الضرائب، بالإضافة إلى عدم توفر المادة الأولية أحياناً، وقد جددت هذه الصناعة منذ حوالي العام 1935 بدخول بعض الآلات الحديثة، ولاسيما أثناء الانتداب الفرنسي لسورية. وكانت صناعة البروكار تعتمد في البداية على الخيط الذهبي من عيار 21 قيراطاً، إذ كان لا يشتريه إلا السلاطين والملوك والملكات وكبار القوم، وقد صنع ثوب زفاف الملكة إليزابث (ملكة بريطانيا) من هذا القماش الدمشقي الشهير، وبرسمات دمشقية على ذلك القماش تسمى (عاشق ومعشوق)، استخدم عيار 12 قيراطاً فيما بعد، ليتمكن كل الناس من شرائه وارتدائه.
يقول أحمد شكاكي صاحب النول: «إن النول اليدوي أكثر دقة من النول الأوتوماتيكي، ذلك أن الإنسان عندما يعمل على النول اليدوي تعمل حواسه كلها وعيونه وعقله، أما النول الأوتوماتيكي فمن الممكن أن ينشغل العامل قليلاً فيحدث خطأ في الرسمة التي تنفذ على القماش، ولا ينتبه إليها».
ويقول طافش «يختلف سعر البروكار من حيث عدد الألوان المستخدمة فيه، فإن كان حريراً كله يتم تحديد سعره بناء على سعر الحرير فقط، أما عند دخول ألوان أخرى فيزداد سعره ويختلف استخدامه، ويتراوح سعر المتر الواحد ما يقارب بين 1000 و 2700 ل.س، وكلما كان عدد الألوان أكثر زاد السعر، بسبب الوقت الكبير الذي تأخذه القطعة أثناء عملها وأغلى شيء هو الذي يحوي سبعة ألوان، عندما أعمل على القطعة فهي تخرج من إحساسي، وليس مثل البروكار الآلي».

« الفلامنكو»..فن تعبير المضطهدين

دمشق-علياء تركي الربيعو
«إن هذه الأصوات العميقة هي الغموض، وهي الجذور الضاربة في التربة الخصبة التي نعرفها جميعنا، ونجهلها جميعا، وعلى الرغم من ذلك نأخذ منها ماهو حقيقي في الفن» هذا ما يقوله الشاعر الاسباني المعروف فيدريكو غارسيا لوركا عن فن الفلامنكو.
هذا الفن الذي يعود الى عصور قديمة قدمته فرقة تاتيانا غاريدو من اسبانيا على صالة مسرح الدراما في دار الاوبرا السورية لمدة يومين، العرض الذي حمل عنوان «نار ورمل» عرض فيه الاسبان رقصات الفلامنكو الجميلة، براقصين رشيقين استطاعا أن يهزا خشبة المسرح، ما انعكس على جمهور الحفل الذي تفاعل تفاعلا شديدا مع الراقصين.
تم تقديم خمس لوحات فنية خلال العرض، تنوعت بين رقص وغناء وعزف وبين مواضيع الحب والامل والثورة والظلم، الظلم الذي عاد ليذكرنا بأسباب نشأة فن الفلامنكو، الذي ولد كتعبير للمضطهدين والمسحوقين..



وفي سنة 1492 قام الملك فرنارد وملكته إيزابيل بسن قانون جديد ينص على أن كل سكان مملكة إسبانيا يجب أن يكونوا
من أفراد الجالية المسيحية الكاثوليكية.
وبالتالي على الإسلام واليهود والغجر والمسيحيين غير الكاثوليك التحول للدين الكاثوليكي. وكانت عقوبة الرفض للكاثوليكية الرمى بالطلق الناري حتى الموت.
الكثير من الفئات المضطهدين قد هربوا إلى مدينة غرناطة وكانت في وقتها المدينة الوحيدة التى مازالت تحت سيطرة المسلمين.
وهناك خلف أسوار مدينة غرناطة اجتمع كل هؤلاء في تخوف وانتظار هجوم الملك فرنارد وملكته
إيزابيل، مدركين كون الهجوم
آتياً، آجلاً أم عاجلاً، وفي ظل تلك الأجواء المعتمة اجتمعت تلك الفئات في التعبير عن مآسيهم وحنينهم إلى أيام أحسن، ومستقبل أفضل، وهكذا ولد فن الفلامنكو.
قدم العرض العناصر الاربعة التي يتكون منها فن الفلامنكو وهي الغناء والرقص والعزف والتصفيق والتي تطلبت جهدا وتركيزا عاليا من الراقصين مع ايقاع النغمات الموسيقية.
فلاحون.. بلا أرض
يرجع البعض مصطلح فلامنكو إلى (fallah mengo = فلاح منجو) وهم الفلاحون الموريسكيون الذين اصبحوا بلا أرض، فاندمجوا مع الغجر وأسسوا ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم التي يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم.
البعض الآخر يربط اسم هذه الموسيقى بطائر النحام الوردي.الا أن الكثيرين يرون بأن كلمة فلامنكو كلمة تضمن معنيين، الأول وهو «فلاح منكم» والثانى «فلا يحرم منكم» والاثنان جاءا نتيجة لاختلاط الشعب الإسبانى بالعرب والأندلسيين والذين تأثروا بهم كثيراً.
تميزت مغنية العرض «جوزيفا هيريديا» بصوت قوي ملأ المسرح، استطاعت به انتزاع اعجاب الجمهور، على الرغم من غنائها باللغة الاسبانية والتي لم تكن مفهومة من قبل معظم الحاضرين، وتخلل غناءها نغمات حزينة مأساوية وصرخات تكاد تشبه العويل وهذه احدى سمات غناء الفلامنكو.
وعلى الرغم من أن الفلامنكو كان يعتبر في بداياته فنا محتقرا وغير راق لأن معظم الذين كانوا يقومون به هم الغجر الفقراء في الشوارع، مقابل القليل من المال يرميها لهم المارة. الا أنه مع الوقت أصبح الفلامنكو يعرض في المقاهي الصغيرة لتسلية الموجودين، ومن هناك انتقل للمسارح وتطورت أنماطه فيما بعد، وأصبحت ذات الطابع السعيد والأغاني السعيدة، بالإضافة للأغاني الحزينة واستطاع هذا الفن الآن أن يوجد لنفسه مكانة وشهرة عالمية في ايامنا هذه.
الفن الغجري الشعبي
في الفقرة الفنية الاولى من العرض والتي كانت بعنوان «مارتينيت» ظهر ثلاثة أشخاص يحملون العصا ليبدأوا بالنقر عليها على الارض، وتبدأ هيريديا بالغناء، لتطل راقصة الفلامنكو المشهورة «تاتيانا غاريدو» وتبدأ بالرقص على ايقاع النغمات لترينا فن الفلامنكو الغجري الشعبي الاسباني، بكل ما يحتويه من حركات وتصفيق، تاتيانا التي تعد من أهم راقصات الفلامنكو هذه الايام والتي ورثت الموهبة من أمها «مارجيليا» أسطورة الفلامنكو الحية، اعتمدت في عرضها الحالي استخداما ثوريا للتقنية من خلال اسقاطات رقمية في الخلفية، اذ ظهرت الراقصة في الفقرة الثانية والتي تضمنت عزف الغيتار للموسيقي «روبن مارتينز» من خلف ستار وهي ترقص على نغمة الايقاع من خلال تسليط الضوء عليها بطريقة تقنية جميلة وكأنها احدى حكايا الف ليلة وليلة، جاءت فيه شهرزادنا وهي تاتيانا لتلقي علينا حكاياتها ولكن عن طريق الرقص وبطريقة حداثوية.
رشاقة تثير دهشة الجمهور
في الفقرة الثالثة أطل شاب من وسط الظلام وأثار دهشة الجمهور برشاقته، وهو الراقص «خافيير سيرانو»، الذي رقص على صوت هيريديا بكل تناغم بحذائه القوي وبدلته الرسمية، التي لم تعقه عن الرقص وكأنها دعوة للرقص بحرية من دون عوائق.
عبر الراقصان عن المشاعر في الأغاني التي صدحت بها هيريديا من خلال حركات جسديهما ومن تحكمها بسرعة الإيقاع عن طريق سرعة خطواتهما ورقصهما ليس فقط على رؤوس الاصابع، ولكن على كعب القدمين، مع تحريك كامل الجسد واليدين بحركات متوازنة، فراقص الفلامنكو لا يرقص فحسب بل هو الذي يتحكم بالإيقاع ويصدر جزءا مهما من الموسيقى برجله أثناء الرقص وهنا تكمن صعوبة رقص الفلامنكو.
استطاع الراقصان استغلال كل زاوية في المسرح واستطاعا ان يهزا الخشبة بمهارتهما، الا أن الملفت بأنك ما أن تشعر بأن الرقصة انتهت حتى يفاجئك الراقصان ببداية جديدة وكأنها سلسلة من الرقصات التي لاتعرف النهاية مطلقا، وهنا تكمن جمالية رقص الفلامنكو، في انه لا توجد نهاية لشيء بل هناك بداية دائما لكل شيء، وهذا يعبر عن خلفية هذا الفن الذي انشئ لاعطاء الامل في كل شيء جديد.
لا مكان شاغرا.. في الحفل
المثير للانتباه هو الحضور الكثيف للجمهور السوري اذ لم يكن هناك مكان أو مقعد شاغر في الحفل، بالاضافة الى أن الجمهور وقف في نهاية الحفل وقام بالتصفيق الحار للفرقة، ما استدعى الفرقة للعودة الى المسرح وتقديم فقرة جديدة للجمهور المتحمس للعرض، الامر الذي أثار القليل من الاستغراب، فالثقافة الإسبانية لم تكن عائقا امام تقبل الجمهور السوري لها، حتى انك لتحسب ان أم كلثوم هي التي كانت تغني بدلا من هيريديا والقصبجي يعزف بدلا من مارتينيز.
ولكن على الرغم من أن بروشور العرض يشير إلى أن الفلامنكو تعود أصوله الى الموروث العائد للوجود العربي في الأندلس، الا ان الشخص ما يلبث أن يدرك بعد حضوره للعرض بأن الثقافة العربية
بعيدة كل البعد عن هذا النوع من الرقص والغناء الغجري على الرغم من التزامه وتقيده بقواعد وأصول معينة، لذا يجب عدم نسيان أن الحضارة الاسبانية هي خليط مجموعة ثقافات عديدة وليست العربية فقط، واذا كنا نتشارك مع الاسبان بصفة فهي كما اعتقد حرارة الروح الذي استطعنا تلمسها بالشعب الاسباني، من مغنين وراقصين وحضور أيضا.
الا أننا لا نستطيع ان ننكر بان العرض كان جميلا وأن الجمهور السوري الذي يعاصر هذا الفن الجديد قد ابتهج وهذا ما نجحت به دار الاوبرا في سوريا في أن تقدم فنونا جديدة وغريبة للجمهور السوري، فنونا لم يكن يستطيع أن يراها سوى عبر التلفاز

كنان العظمة.. شاب يسحر جمهوره

يمارس الارتجال الموسيقي على خشبة المسرح
دمشق-علياء تركي الربيعو

ربما من محاسن دار الأوبرا السورية أنها تريك الطبقة الارستقراطية الدمشقية بما فيها من عائلات توارثت الثروة والاسم بأناقتهم الباريسية الفائقة وبأحاديثهم المرفَّهة قبل العرض حيث تشعرك بأنك في بلد آخر وفي دنيا غير دنيا سد الرمق، وربما كان من الجميل أن ترى ذلك الرجل الستيني الوقور إلى جانب زوجته الجميلة بانتظار اعتلاء ابنهما عازف الكلارينت العالمي كنان العظمة خشبة المسرح الموسيقي في الأسبوع الفائت ليبدأ بعزف مقطوعات ألبومه الجديد (قصص مركبة، أصوات بسيطة)، إلى جانب شريكه بهذه التجربة عازف البيانو الكندي الجنسية السيرلانكي الأصل (دينوك ويجرانته ) الذي دخل المسرح حافي القدمين وكأنه يدخل إلى معبد.



بدأ كنان عزفه الأشبه بتراتيل ساحرة من خلف الجمهور الحاضر على المدرج إلى أن وصل إلى خشبة القاعة، تلك الموسيقى التي مزجت موسيقى شرق آسيا بآخر ما تعلمه الموسيقيان الشابان من دراستهما الآكاديمية في نيويورك.
يقول كنان «الألبوم الذي يتألف من ثماني مقطوعات موسيقية يعكس عنوانه، فهو ليس قصصا مركبة، وإنما قصص بسيطة، ولكن بأصوات مركبة، هو خلاصة تجربة امتدت لسنوات كان شريكي بها ويجرانته، ذلك البيانيست «المجدد في طرق العزف على البيانو».
سنوات التعلم والتجريب
من يستمع إلى موسيقى كنان يدرك تماماً أن تلك الحرفية هي ابنة سنوات كبيرة من التعلم والتجريب والدراسة، فكنان الموسيقي الأكاديمي، 34سنة، الذي لم يبخل بأي جهد لإتقان موسيقاه منذ كان في السابعة حين دخل المعهد العربي للموسيقى والذي كان يديره الموسيقار العراقي الراحل صلحي الوادي ومن ثم ليتلحق بعد إنهاء تعليمه الثانوي بالمعهد العالي للموسيقى ليكمل اختصاصه بالعزف على آلة الكلارينت ،لكن ما يبهر بالنسبة لكنان ليس دراسته للموسيقى فقط، بل لأنه خريج كلية الهندسة الكهربائية من جامعة دمشق، الاختصاص الأصعب في الجامعة ومقبرة الطلاب كما يسمونها، واصل كنان دراستة الموسيقة في معهد جوليارد الموسيقي في نيويورك حيث حصل على درجة الماجستير، وهو الآن على وشك إنهاء رسالة الدكتوراة في التأليف والتلحين الموسيقي.
يعرِّف كنان آلته الموسيقية بأنها آلة نفخ خشبية تتمتع بصوت دافئ، ذات استخدامات متعددة ومتنوعة، لها وجود بالموسيقى الكلاسيكية والشرقية (تركيا وهنغاريا)، ولها وجود بموسيقى الجاز، وهذا ما يثبت برأيه أنها آلة شديدة المرونة، ومن مزاياها التقنية الخاصة أنها تمتلك مسافة صوتية عالية جداً بين نوتات القرار والجواب.
زار كنان العالم عازفاً منفردا في أهم المسارح في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وسورية، ومن ضمن حفلاته كعازف منفرد ظهوره على خشبة قاعة تشايكوفسكي الكبرى في موسكو العام 1997، وظهوره عازفاً منفرداً مع الفرقة السيمفونية الوطنية في أول جولة لها في الولايات المتحدة.
ولكن كنان لا يرى العالمية أو الشهرة مقرونة فقط بالسفر إلى الخارج، مشيراً إلى عالمية كثير من الموسيقين العرب رغم عدم تجاوزهم حدود بلادهم، ولكنه مع ذلك لا ينفي الدور الكبير للاختلاط الموسيقي، والتعرف على أهم المدارس الموسيقية في العالم.
المعادلة بسيطة بالنسبة لكنان للوصول للعالمية «أن تعمل بجد، وأن تخلص لموسيقاك التي لا بد أن توصلك يوماً».
مع مارسيل خليفة
يعتبر كنان مشاركته الأخيرة مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة في حفلاته التي أقامها في دمشق، والتقديم الجميل الذي قدم به مارسيل لكنان على المسارح المختلفة شهادة يعتز بها، ولاسيما من موسيقي عالمي مثله. وخصوصا أن مارسيل كتب شهادة إعجاب في مقدمة ألبوم كنان الجديد.
وكان لكنان تجربة موسيقية رائدة عبر تأسيس فرقة حوار منذ ست سنوات، وهي تجمع بين آلات شرقية وغربية والتي يعتبرها كنان محاولة لتخطي حواجز الخلافات الثقافية والمفاهيم الخاطئة عن الشباب العربي، بقصد بناء جسر ‏حضاري يعزز أبعاداً اجتماعية وسياسية مختلفة بقدر ما يحمل أبعاداً إبداعية وموسيقية.‏
وكان كنان يبحث في تلك التجربة عن سؤال يوجهه ليس فقط للموسيقين، وإنما للكثير من المثقفين العرب هو: أين نحن، وأين مكاننا بين الآخرين؟
لا يرى كنان أن لدينا جمهورا موسيقيا، أو جمهورا يعنى بالموسيقى الكلاسيكية مقارنة مع غيرنا من بلدان العالم، على الرغم من الانفتاح الموسيقي الحالي بين الشباب، ولكن الوضع الآن مقارنة مع الوضع السابق أفضل بكثير. ويرجع كنان ذلك إلى مسؤولية بعض الموسيقيين عما يحدث من ابتعاد الناس عن الموسيقى الكلاسيكية، وخاصة عندما نردد أن هذه الموسيقى لها جمهورها النخبوي الخاص، وأن هذا الجمهور يجب أن يتمتع بقدر من الذكاء ليستطيع فهمها؟ «هذه الأمور تخيف الجمهور وتجعله يبتعد عن هذا النوع من الموسيقى، إضافة إلى أن وسائل الإعلام ساهمت في ذلك، ليس فقط عن طريق الفضائيات، ولكن أيضاً على صعيد الإذاعات التي لم تعد تذيع الموسيقى الكلاسيكية، إلا في حال وفاة إحدى الشخصيات الهامة فتحولت الموسيقى الكلاسيكية إلى موسيقى جنائزية».
فسحة للارتجال الموسيقي
يترك كنان في أمسيته الموسيقية الأخيرة فسحة للارتجال الموسيقي الذي يعتبره متعة حقيقية. والتي هي إبداع طازج من رأس المبدع إلى الجمهور، كما يصفها في أحد لقاءاته.
يقول كنان: «الارتجال ببساطة هو التأليف على خشبة المسرح، ويكون عادة غير موثق، يؤلف ويقدم مباشرةً وينتهي مباشرةً في اليوم الثاني من ذهن العازف والجمهور».
ينهي كنان أمسيته وهو يسأل نفسه: هل استطعت بالفعل أن أجذب الآذان إلى موسيقاي الخافتة؟ هل أبدعت؟ هل قدمت شيئاً جديداً؟ أسئلة كثيرة بإجابة واحدة كان ذلك التصفيق الحاد الممزوج برعشة الموسيقى في قلوب الحاضرين، والنشوة السحرية في الأذهان المحلِّقة

تاريخ الأسطورة

الكشف عن مناطق في العقل البشري

دمشق-علياء تركي الربيعو

تستعمل كلمة الأسطورة اليوم غالبا لوصف شيء غير صحيح وغير واقعي. فالسياسي حين يتهم بوقوع زلات وعثرات يقول عنها بأنها أسطورة لم تحدث ابدا، وعندما نسمع عن آلهة تمشي على الارض، وعن اموات يخرجون من قبورهم، أو عن انشقاق البحر ليدع شعبا مختارا يهرب من عدوه، ترانا ننبذ هذه القصص معللين فعلنا بأنها أمور لا تصدّق
ولا يمكن البرهان على صحتها. فلقد بلورنا مع بداية القرن الثامن عشر رؤية علمية في فهم التاريخ، اصبحنا معها مهتمين فقط بما حصل بالفعل وهذا على خلاف العالم ما قبل الحديث، حيث كان اهتمام الناس عند كتابتهم للماضي، منصبا على معنى الحادثة ودلالاتها لا على حقيقة وقوعها. فالاسطورة بمعنى
ما تروي قصة حدث حصل في زمان ما، وهي تجعله ممكن الحصول في كل الازمنة. كما تساعدنا احيانا في الاجابة عما وراء التدافع الفوضوي للاحداث العشوائية، وفي تبصر جوهر الحقيقة


.

ضمن هذا السياق ترى الكاتبة الاميركية كارين ارمسترونغ الباحثة في الاديان وانظمة الاعتقاد في العالم في كتابها الجديد «تاريخ الاسطورة» (الدار العربية للعلوم، 2008 ) ان البشر كانوا دائما صناع اسطورة.
فقد اكتشف علماء الآثار بعد التنقيب عن قبور النيندرثال، وهي فصيلة بشرية انتشرت في أوروبا ووسط آسيا وغربها حوالي 350000 قبل الميلاد، اكتشفوا احتواءها على اسلحة وادوات وعظام لحيوانات مضحّى بها، تدل جميعها على وجود معتقد لديهم بعالم أخروي يشبه عالمهم، فمع تبلور وعي لديهم بحقيقة فنائهم، ابتكروا حكاية مضادة تمكنهم من التكيف مع هذا الوعي الجديد، ولذلك حين كان يدفن النيندرثاليون رفاقهم الموتى فإنه كان يتم ذلك باهتمام وعناية ملحوظتين، مما يعني انهم كانوا يعتقدون بأن العالم المادي والمرئي ليس الحقيقة الوحيدة.
وبرأي ارمسترونغ فإن البشر تميزوا ومنذ زمن مبكر جدا، بقدرتهم على حيازة افكار تتجاوز تجاربهم اليومية، وذلك من خلال قدرتنا على توليد افكار وتجارب لا يمكن تفسيرها تفسيرا منطقيا. وعلى الرغم من ان هذه الاساطير هي من انتاج مملكة الخيال، الا انه ما يزال هذا الخيال هو الذي مكن من اخراج معارف جديدة، وهو الذي مكننا من السفر الى الفضاء الخارجي ومن السير على القمر، وهي انجازات لم تكن ممكنة في السابق، الا في عالم الاسطورة، ولذلك فإن الاسطورة والعلم يوسعان معا مدى الوجود البشري، وبالتالي فإن الميثولوجيا ليست خروجا من هذا العالم، بل تتعلق بقدرتنا على العيش فيه بكثافة.
واما مظاهر الاسطورة فهي عديدة منها ان الميثولوجيا لا تكف عن ممارسة الطقوس، فالعديد من الاساطير لا معنى لها خارج المشهد الطقسي الذي يبث فيها الحياة، وان قصة الاسطورة لا تروى لغرض الرواية فقط، بل هدفها ان تدلنا على ما يجب علينا فعله، فنجد مثلا ان جثة الميت يتم وضعها في قبور النيندرثال على هيئة الجنين، كما لو انه في وضعية ولادة جديدة وان على الميت ان يأخذ خطوة الولادة التالية بنفسه، هذا بالاضافة الى انها تتكلم عن عالم مواز لعالمنا وبطريقة داعمة لوجودنا والايمان بهذه الحقيقة اللامرئية والاكثر قوة التي تسمى احيانا بعالم الآلهة، هو فكرة الميثولوجيا الاساسية.
وبرأي الكاتبة فإن تاريخ الاسطورة يمكن تقسيمه الى خمس مراحل اساسية:
أولاها: الفترة البالياليثية وهي المرحلة التي لم يطور اناس تلك الحقبة فكرة الزراعة، ولم يقدروا على العناية بطعامهم بل اعتمدوا بالكامل على صيد الطعام وتجميعه.
وقد تميزت هذه الفترة بالتقديس الكبير للحيوانات التي يشعر الانسان انه مرغم على قتلها، حيث لاحظ الانثربولوجيون ان رجال الطبيعة المعاصرة يشيرون بنحو دائم الى الحيوانات والطيور كأنها بشر مثلهم، ويروون قصصا عن بشر اصبحوا حيوانات وبالعكس، فأن تقتل حيوانا يعني أن تقتل صديقا، لذلك كان يشعر القبلي بالذنب بعد كل رحلة صيد ناجحة، ولمواجهة هذه المعضلة التي لا تحتمل، ابتكروا أساطير وشعائر تمكنهم من التصالح مع جريمة قتلهم لنظرائهم في الخلق.
كما كان على الصياد قبل الذهاب في رحلة الصيد ان يمتنع عن ممارسة الجنس ويبقي نفسه في حالة نقاء روحي.
وبالتالي فإن أولى الانبثاقات الكبرى للميثولوجيا كانت في الزمن الذي تحول فيه «الإنسان الصياد» الى «الانسان القاتل»، اي حين وجد الانسان صعوبة في قبول اوضاع وجوده في عالم عنيف. فالميثولوجيا غالبا ما تزدهر من توتر او قلق عميق حول مشاكل عملية وجوهرية، لا يمكن ازاحتها او تخففيها بحجج منطقية صرفة.
اما المرحلة الثانية فهي الفترة النثوليثية، والتي عرفت بمثيولوجيا المزارعين، وقد تميزت هذه الفترة باختراع البشر للزراعة، ولم يعد الصيد مصدر طعامهم الرئيسي، لاكتشافهم الواضح ان الارض مصدر انماء لا ينفد فيها الطعام، وقد كانت الزراعة نتاجا للوغوس (العقل)، الا انها وعلى خلاف الثورة التقنية في ايامنا الحالية لم تكن في نظر الاوائل مشروعا دنيويا صافيا، بل كانت بمثابة صحوة روحية عظيمة وهبت الناس فهما جديدا بالكامل عن انفسهم وعالمهم.
ومثلما كان اناس الفترة الباليوليثية يعتبرون الصيد عملا مقدسا، فان عمل الزراعة كان ايضا مقدسا. وحين شاهد المزارعون نزول البذور الى اعماق الارض ولاحظوا اختراقها للظلمات لتجلب بشكل مدهش اشكال حياة جديدة، ادركوا حينها ان هناك قوة خفية تعمل، واخذوا ينظرون الى المحصول على انه ثمرة زواج مقدس. فالتربة هي الانثى والبذور هي السائل المنوي الالهي، ولذلك كان اعتياديا لدى الرجال والنساء، ان يمارسا الجنس معا بطريقة طقوسية عندما يزرعون محاصيلهم إذ من شأن ذلك أن ينشط طاقات التربة الخلاقة. وقد بين الإنجيل (العهد القديم) ان هذا النوع من الطقوسية الجنسية كان يمارس عند بني اسرائيل القديمة في القرن السادس قبل الميلاد وحتى مجيء حملة بعض الانبياء، لكن ما تجب الاشارة اليه هو ان في هذه المرحلة لم يكن ينظر الى الارض كأنثى ومن المحتمل ان يكون لأمومة المرأة في الحياة العائلية دور في اتخاذ الارض لاحقا خاصية الانثى المربية. كما بتنا نلاحظ انه في الاساطير البطولية القديمة التي يعود زمنها الى فترة الصيد عادة ما كان من يقدم على رحلة صيد خطرة من اجل ان يجلب المساعدة لشعبه بطلا ذكرا، الا انه وبعد الفترة النيوليثية اصبح الذكور بلا حيلة وفاقدي الفعالية واصبحت الآلهة الانثى هي التي تهيمن في الارض وتتصارع مع الموت وتجلب الغذاء للجنس البشري واصبحت الام الارض رمز البطولة الانثوية كما حدث مع اسطورة الآلهة أنات أخت وزوج بعل إله الريح والمطر والذي يؤكل كما تروي لنا الاسطورة من قبل «إله موت» الهة الموت والعقم والجفاف، مما يجبر أنات الى بحثها عن موت وعندما تجده تشقه بمنجل طقسي الى نصفين، وتعيد بعل الى الحياة.
اما المرحلة الثالثة فقد بدأت عندما خطت البشرية خطوة كبيرة الى الامام وذلك من خلال بنائها المدن، كما في بلاد ما بين النهرين ومصر، ولاحقا في الصين وكريت، حيث يمكننا التعرف على الاستجابة الاولى لتحدي التحضر التي كانت في بلاد الخصب في الميثولوجيا التي تحتفل بحياة المدينة.
فلقد كانت تجربة الحضارة امرا رائعا وهشا معا، فالمدينة تزدهر وتنتعش بسرعة دراماتيكية ثم سرعان ما تنحدر وتزول بسرعة كما ان تعدد المدن كان يجلب الحروب والمذابح والدمار ولذلك كانت اساطير الحضر تصور الصراع اللامتناهي بين النظام والفوضى.
وعلى الرغم من ان البعض نظر الى الحضارة ككارثة كما فعل الكتاب الانجيليون الذي رأوا انها علامة على انفصال الانسان عن الله الذي حصل عقب طرد ادم من جنة عدن.
نجد ان شعوب بلاد ما بين النهرين رأت في المدينة مكانا للاتصال بالآلهة، فقد كانت المدينة تقريبا اعادة خلق للجنة المفقودة وكانت كل مدنية بمثابة مكان مقدس.
اما المرحلة الرابعة فقد بدأت مع حلول القرن الثامن قبل الميلاد، اذ اصبح الاضطراب اكثر انتشارا حيث ظهرت سلسلة انبياء وحكماء ذوي تأثير كبير، شرعوا في البحث عن حل جديد وقد وصف الفيلسوف الالماني كارل جاسبر هذه الفترة بالعصر المحوري لأنها برهنت على دورها المحوري في التطور الروحي للانسانية، واستمرت الرؤى المنتجة فيها مصدر تنشئة للرجال والنساء حتى يومنا هذا.
ففي اليونان مثلا تم اطلاق العصر المحوري من خلال اللوغوس (العقل) الذي يعمل بمستوى ذهني مختلف عن الاسطورة، لكن اهتمام الناس كان مازال اهتماما ضعيفا لذلك طور الاثينيون نوعا جديدا من الطقوس الذي هو التراجيديا التي اعادت تمثيل ادوار الاساطير القديمة على هيئة احتفالات دينية مع اخضاعها هذه المرة للوعي النقدي، ورغم ما احدثته التراجيديا من تحطيم للتقاليد والاصنام القديمة، الا ان توزيع الادوار فيها كان يتم وفق الطقوس التقليدية وكأي طقس ديني.
اما المرحلة الاخيرة فهي مرحلة التحول الغربي الكبير (1500-2000م) حيث ولدت الحداثة الغربية الجديدة من رحم اللوغوس، وليستند هذا المولود الى روح العلمية، ولتصل الحدة المتبادلة بين اللوغوس والاسطورة الى ذروتها في مطلع القرن التاسع عشر من خلال اعتبار الدين امرا مضرا وبأنه يجعل الناس تغترب عن انسانيتها، وما هو الا عارض من عوارض المجتمعات المريضة.
اخيرا يمكن القول ان اغترابنا المعاصر عن الاسطورة غير مسبوق، اذ كانت الميثولوجيا في العالم ما قبل الحديث امرا لا يمكن الاستغناء عنه، لا لأنها ساعدت الناس على جعل معنى لحياتهم فقط، بل لانها كشفت عن مناطق في العقل البشري كان يتعذر الوصول اليها لولاها، لذلك نجد ان فرويد ويونغ عندما شرعا في تصميم البحث المعاصر حول النفس اتجها تلقائيا نحو المثيولوجيا التقليدية لشرح تصوراتهما

رائد الرمزية في التشكيل السوري

داحول: استجمعت قواي في الرسم لأستعيد ذكريات الراحلة شريكة الحلم والتجربة

حوار -علياء تركي الربيعو


بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق غادر صفوان داحول (مواليد حماه، سوريا 1961) إلى بلجيكا، حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الفنون التشكيلية في المعهد العالي للفنون التشكيلية في مون عام 1997. ولعله لذلك متأثر بالفن البلجيكي وفن الأراضي المنخفضة، يحفل سجله بالكثير من المعارض الأوروبية والعربية، وقد حاز جوائز وطنية وعالمية، بما في ذلك الجائزة الأولى في التصوير في ملتقى (إعمار) الدولي في دبي 2007م، كما يحظى بشعبية بين مقتني الفن العالميين. ولوحاته اليوم مطلوبة من أهم المتاحف والمقتنين، وهو يعتبر من الفنانين المحدِّثين والمجددين في العالم العربي. نجح في إقامة معارض فردية في أوروبا والشرق الأوسط فبيعت جميع أعماله أثناء المعارض. ولقد أقام أخيراً معرضاً فردياً مهماً أهداه لزوجته الراحلة الفنانة نوار ناصر شريكته في التجربة الفنية والإنسانية.
يعتبر داحول من الشخصيات البارزة في المشهد الفني العالمي، حيث تعكس بورتريهاته الأنيقة، ذات الخطوط النظيفة والشخصيات المنسابة، نزعات تكعيبية؛ إذ إنها تملك حياة وأصالة تنبع من ذاتها بالكامل.
كريم بطبعه، طبع البداوة الأصيلة، موضوعاته ضيقة الخيارات، ولكن مجلسه مرحب لكل الأحبة. التقيناه في مرسمه بدمشق، وكان لنا معه الحوار الآتي:
* نبدأ من معرضك الأخير الذي سميته وأهديته (إلى نوار) زوجتك الراحلة الفنانة التشكيلية نوار ناصر، هل وجدت في الرسم المهرب من حزنك؟
- في الحقيقة نعم، ربما أصبحت أهرب من نوار، المرأة، والذاكرة إلى الرسم فعندما أفكر في الخسارة الكبيرة التي حصلت في حياتي لا يسعني إلا أن أتحايل على الوقت والزمن لكي أستطيع أن أستجمع ما بقي فيّ من قوة ولاسيما أن نوار كانت شريكة الحلم والتجربة.
* ما قصة ألوانك الترابية، أحب أن أسميها الصلصالية؟
- هذه ألوان بيئتي، أرضي وسمائي وثقافتي، حتى أنت ترتدين باللاشعور هذه الألوان، ربما نشعر بالخجل أحياناً عندما نرتدي ألواناً كالأحمر أو الزهري أو الأصفر؛ ربما لأنها تفضح مشاعرنا فنرى ألا بد لنا من ارتداء لون الأرض والفراغ، لون التكوين والخلق بما فيه من تدرجات وجمال. ولا أريد صراحة أن تحمل ألواني مشاعر التشاؤم أو الحزن؛ فأنا متفائل بطبعي وأحمل قلباً أبيض.
* صفوان داحول رائد الرمزية في الفن السوري.. لماذا كل هذا الإغراق في الرموز والموضوعات؟
- أنا من أنصار الرمزية، نحن بحاجة إلى البُعد الفني العميق بما يحمل من دلالات ورموز من شأنها أن تعي الذائقة الفنية، وأن تحرض المشاهد للعمل الفني على التفكير والغوص في فضاءات اللوحة؛ لذا فأنا أحببت الأيقونات، وهذا النوع من الفنون، ولاسيما هذا الفن البسيط الذي يعمل على موضوع واحد، إلا أن عليك أن تجردها من مضمونها الديني وتراها بروحها العصرية كعمل مكون من البساطة والإتقان والقدرة على إيصال الرسالة والعبرة، وهو فن يؤثر فيّ بشدة.
* تشكل المرأة في لوحات صفوان داحول خياراً شبه دائم، هل يظهر صفوان في لوحاته جمال المرأة أم سلبياتها؟
- عندما يرسم الفنان التشكيلي المرأة فمن المستحيل أن يطرح الشيء السلبي لرسمه، من الممكن أن ترين ظاهرياً بعض الإشكالات الفنية ولكن من المستحيل أن تكون نظرة شخص حياته معلقة بالألوان والقماش نظرة سلبية للمرأة، ولكن هذا لا ينفي أن أي فنان بجانب من جوانب حياته لديه الحق في أن يكون له فكرته ورأيه تجاه الشيء الذي يرسمه، ولكني أزعم أن أي فنان يأخذ الجانب الجمالي في أية لوحة يرسمها غالباً.
* مشروعك الفني تسميه حلم، هل ما زال حلمك مستمراً؟
- بعد لوحتي الأولى التي أسميتها (حلم) لم أكن أتوقع أن أرسم لوحة ثانية اسمها حلم وثالثة اسمها حلم ومائة اسمها حلم. وربما لذلك باستطاعتك أن تري نفس الأشخاص أو المواضيع متشابهة في لوحاتي الحالمة التي لم تنتهِ بعد من بحثها في فضاءات اللون والرسالة الإنسانية التي تحملها. كما أسلفت أن لديك خيارات محدودة.
* في مشروعك الفني، هل هذا مبرر للتكرار والنمطية التي تتهم بها؟
- حركة الإنسان تختلف من وقت لآخر، فعندما يتكلم أو يجلس أو يمارس نشاطاً معيناً يصنع نفس الشخص حالة شعورية وحسية معينة من الممكن أن توحي لأي فنان بأن يرسمها، وهكذا أنا، وخياراتي القليلة والقريبة من بعضها تجعلني أعيش في تحد أكبر لذاتي؛ لأنني أرسم دائماً أشياء مألوفة للآخرين، وأستمر في رسمها ليس لي فقط وإنما للجميع. وأعتقد أن المشكلة في اللوحة هي كيف تجدين الحل البصري، ولا أرى أني أعاني من مشكلة التكرار؛ لأن المتتبع لأعمالي باستطاعته أن يقرأ أفكاراً متجددة لنفس المرأة وفي كل لوحة توجد فيها.

«منيحة...!!!» زياد الرحباني لم تكن منيحة

دمشق - علياء تركي الربيعو
عادت الحياة في الأيام الأربعة الماضية إلى قلعة دمشق، إذ اجتمع ما يزيد على أربعة آلاف شخص يوميا، جاؤوا ليحضروا عرابهم (كما أسموه) زياد الرحباني، الذي عاد للمرة الثانية الى سورية، ليستكمل نجاحه الذي حققه في العام الماضي بدمشق.
قدم بطل القلعة حفلاته التي أسماها «منيحة!!!» لمعجبيه من الجمهور السوري كبارا وصغارا، والذين وصل عددهم إلى 16 ألف متفرج



.
لم تخل هذه الحفلات الغنائية من تمثيليات الرحباني السياسية الناقدة، التي تضخم الواقع اللبناني السياسي والمعيشي بفكاهة جميلة، عن طريق «الاسكيتشات» التي يشتهر بها زياد أصلا، والتي تُميز أسلوبه الفني غناءً وتلحيناً وتأليفاً. هذه الاسكيتشات التي قدمها كانت مأخوذة من برامجه الإذاعية وبعض مسرحياته، وصف لنا الرحباني فيها معاناته التي اختارها لتكون معاناة الجمهور ايضا.
الرحباني بشكل مختلف
قسمت كل حفلة من الحفلات الى جزءين، الأول تم فيه عرض بعض الاسكيتشات ومجموعة من أغانيه الأكثر شهرة، قدمها هو وكورال نسائي جميل مزهو باللون الأحمر، وتضمن نيكول شويري ورشا رزق وليندا بيطار ونهى زروف ومنال سمعان ومي كيخيا، هؤلاء الجميلات قمن بغناء «هيك بتعمل هيك»، و«ولا من يحزنون» و«الله يساعد» و«خلص» وغيرها.
في الجزء الثاني من الحفلة، ظهر لنا الرحباني مع الموسيقيين بمظهر جديد ومختلف، إذ ارتدى قميصا عليه صورة للرئيس الأميركي السابق جورج بوش، بحيث استطاع أن يحول الأمسية الى عرض مسرحي مصغر، أكمل الرحباني فيه تهكمه اللطيف. ثم قدم زياد مقطوعات موسيقية منها «عطل وضرر» من ألبومه مع المغنية التونسية لطيفة، ومقدمة «نزل السرور» وسواهما، ومن الأغاني «معلومات أكيدة»، و«معلومات مش أكيدة» التي غنتها رشا رزق، «بنص الجو»، «حبيتك تا نسيت النوم».
الحضور كان كبيرا في الحفلات ما اضطر منظمي الحفل إلى إعادة بناء مسرح قاعة دمشق الأثرية بشكل يتناسب مع حجم الفرقة والجمهور ايضا، وقاموا بوضع شاشات عرض كبيرة داخل القلعة تسمح بمشاهدة أفضل للحفل، الأمر الذي لم يكن مستحبا كون الجمهور جاء ليشاهد الرحباني وليس صورته على شاشات العرض، فالجلوس في المنزل ومشاهدته على شاشات التلفاز لم تختلف كثيرا عن حضور هذا الحفل، مع فارق بسيط، وهو دفع ثمن بطاقة غالية بعض الشيء تتراوح أسعارها بين 1000 و1500 ليرة سورية.
وقد يكون هذا هو أحد أسباب الاستياء الذي حدث للجمهور من الرحباني، فلم تلق الحفلات الحرارة والتفاعل من الجمهور مثل العام الماضي، فلأول مرة نشاهد عددا لا بأس به من الجمهور ينسحب من الحفل جارا وراءه أذيال الخيبة بما رآه من الرحباني، على الرغم من انتظاره الشديد لهذه الحفلات والتصارع على أبواب حجز البطاقة لدخول أول حفلة من حفلاته بغرض التباهي فيما بين الأصدقاء على من حضره قبل الآخر، مقارنة بالعام الماضي الذي بقي الجمهور فيه الى آخر الحفل وهو يردد أغاني الرحباني، ما استدعى الرحباني للعودة الى المسرح تحت ضغط طلب الجمهور، وإعادة غناء إحدى أغانيه مرة أخرى، الأمر الذي أثار استغراب الرحباني آنذاك قائلا «بصراحة ما كنت متوقع هيك شي، ولا شايف هيك شي من قبل».
حفل.. بلا مشاركة
أما في هذا الحفل فإن الملل سرعان ما بدا على الجمهور بعد الأغنية الثانية، فلم يكلف الجمهور نفسه عناء التصفيق ومشاركة الرحباني الغناء، وقد يكون السبب في ذلك هو الرحباني نفسه الذي لم يحاول أن يثير حماسة الجمهور، فلم يقدم له أي شيء جديد توقعه منه الجمهور السوري، كذلك خيب أمله عندما طلب منه غناء إحدى أغانيه وهي «أبو علي» رافضا ذلك واعدا إياه بغنائها في المرة القادمة.
من جهة ثانية، كانت بعض الاسكتشات التي تم عرضها طويلة بعض الشيء، ما أضاف مللا جديدا الى الملل القديم، حتى إن تعليقات الرحباني المعروفة لم تستطع خلق جو حميمي بينه وبين الجمهور، وبدا كأنه يمثل ويغني ويعلق دون نفس.
وعلى الرغم من أن حفلاته العام الماضي امتدت على مدى ثلاثة أيام ولكنها ضمت ٦٠ عازفاً ومغنياً، بينهم ٢٩ سورياً في مقدمتهم باسل داوود، رشا رزق. هذا إلى جانب ٢٢ أرمنياً مع المايسترو الأرمني كارين دورغريان، والذين يعزفون مع فيروز وزياد منذ العام٢٠٠٠، فضلاً عن عازفَيْن فرنسيَيْن وآخر هولندي، والأردني فادي حتر، ومهندس الصوت البريطاني المميز بيريك، وقتها بدا الرحباني متألقا في أكثر من عشرين مقطوعة موسيقية وغنائية منها: أبو علي، قمح، مقدمة، ٨٣ تدمر.
.. وجمهور بلا حماس
أما في حفل العام الذي امتد على أربعة أيام شارك فيه 40 عازفاً وموسيقياً ومؤدياً نصفهم من السوريين، والآخر من اللبنانيين وبهذا فقد التنوع الموسيقي الذي حدث في الحفل الماضي.
وكذلك يبدو أن الجمهور نفسه لم يكن متحمسا للحفلات مثل العام الماضي، فمثلا من حيث الاعلانات التي تم عرضها في تلك السنة، والتي كانت منتشرة في كل الطرقات، تميزت بعبارات جميلة مثل «زياد في قلب دمشق»، و«سهرنا يا أبو الأحباب»، و«لأول مرة منكون سوا»، كما قام شبان سوريون من محبي زياد بحملات ترويجية لحفلاته في أحياء دمشق، مذيعين أغنيات له ومقاطع من مسرحياته.
في هذا العام تواجدت دعاية للحفلات إلا أن الإعلانات لم تحمل أي عبارات كالعبارات السابقة سوى عنوان الحفلات «منيحة!!!»، وقد يعود هذا السبب إلى كون غياب الرحباني عن دمشق لم يطل أكثر من سنة هذه المرة، مقارنة بالعام الماضي الذي جاء فيه الرحباني الى سورية بعد غياب دام أكثر من 20 عاما.
الشيء الوحيد المشترك بين العامين كان سوء التنظيم، فالناس لم تجد مكانا تجلس فيه على الرغم من وجود أرقام على البطاقات للالتزام بالجلوس، ألا أن «الطاسة كانت ضايعة»، كذلك لم تتوفر اي معلومات عن أسماء الموسيقيين في الحفل ولا أي بروشور عرض.
وفقد زياد ذكاءه
لذا فإن عدم نجاح هذه الحفلات بالقدر الكافي كان بمساهمة جميع الجهات، الرحباني الذي يبدو أنه فقد بعضا من ذكائه، والمنظمون الذين اعتمدوا على نجاح العام الماضي، ولم يكلفوا نفسهم عناء العمل بجهد على هذه الحفلات، وبعض من الجمهور الذي ذهبت أحلامهم وتوقعاتهم من منقذهم الرحباني بعيدا.
الجدير بالذكر أنه من المقرر أن يقدم الرحباني نفس الحفلة على مسرح قصر الأونيسكو في بيروت أيام 24 و25 و26 يوليو الجاري.

«أورنينا» في طوق الياسمين.. تفتقد الإبداع

دمشق - علياء تركي الربيعو
لقطة من عرض الفرقة«وأنت في طوق الياسمين تخال نفسك لوهلة وكأنك في أزقة دمشق وحاراتها البديعة وبيوتها الرائعة، التي تشعرك بالطمأنينة والحب والجمال والأصالة، فليس أحب إلينا من أن نعيش في بيوت وحارات الشام، وأن نتفيأ تحت ظلال أشجار النارنج والياسمين، ونرتشف قهوتنا الصباحية: صباح الخير يا شام.. صباح الياسمين».. هذا ما يقوله مدير ومخرج فرقة أورنينا ناصر إبراهيم عن عرضه المسرحي الغنائي الراقص «طوق الياسمين»، الذي أقيم بدار الاوبرا في دمشق على مدى خمسة ايام متتالية.



استعرض العرض تاريخ مدينة دمشق بمراحلها التاريخية، بجميع الحضارات والشعوب التي مرت عليها، من العصر الروماني الى الأموي فالعباسي، وايضا دخول المغول، ومن بعدهم الاتراك والفرنسيين، الى استقلال سورية فدمشق المعاصرة، ليكون العمل وثيقة عن تاريخ دمشق على حد قول المخرج.
ويضيف إبراهيم «كان الهاجس منذ سنوات، تقديم عمل يحاكي تاريخ الشام، ويعالج بأسلوب فني رشيق حكاية الشام ارضا وشعبا، من هنا جاء طوق الياسمين، تلبية لهذه الطموحات الكبيرة، وكانت بداية انطلاقة رائعة للفرقة، حيث ترك هذا الامر حافزا لان نطور في كل مرة هذا العمل وكأنما بدأنا من جديد، والسبب يعود لتمسكنا بتلك القيم والمبادئ الرائعة التي ترعرعنا في كنفها والتي ربتنا الشام عليها».
ركز العرض على رسالة مفادها أن دمشق صمدت أمام كل الغزاة الذين مروا عليها، وأن الاستعمار نهايته الزوال، ليخلص العرض الا أن دمشق لا تفتح ابوابها الا للحب والسلام.
العرض تم تقديمه في الكويت منذ سنتين ضمن أنشطة مهرجان القرين الثقافي الرابع عشر، كما عرض في المغرب والجزائر والامارات، واليوم يقدم للجمهور السوري في دمشق، ضمن اطار صور نمطية وتقليدية، لم يستطع المخرج التحرر منها، أوتقديم اي رؤى فنية، أوتوظيف درامي للموضوع، ما تم هو عرض تاريخ دمشق بشكل لا يختلف عن أي عرض قدمته اي فرقة سورية، دون أي تميز أو تجديد أو ابتكار في سنياريو العرض.
ويؤكد مدير الفرقة ومخرجها ناصر ابراهيم: «هذه هي دمشق، وهذه هي عاداتها وطقوسها، ولا نستطيع أن نجعل منها باريس على سبيل المثال، ما قمنا به هو نقل صورة دمشق ولكن بطريقة مسرحية».
بدأ العرض باستعراض العصر البدائي، ليطل علينا مجموعة من الراقصين الشبيهين بفتى الأدغال «ماوكلي»، بلباسهم وحركاتهم، ليقفزوا امامنا بصورة مضحكة، لتتوالى بعدها مشاهد العرض التي قسمت الى 20 مشهدا، الواحد تلو الاخر، ما اختلط الامر علينا كجمهور فلم نعد نفهم عن اي زمن يتحدث العرض، ولا عن اي حقبة تاريخية تحديدا، واستمر العرض على هذا المنوال الى الفقرة التي تحدثت عن اللوحة الرمضانية في دمشق، وعن العرس والمقهى الشامي، وهنا استطعنا أن نتواصل قليلا مع العرض.
والسبب في ذلك يعود الى جهل الجمهور بالتاريخ والمراحل التي مرت على سوريا على حد قول المخرج. بالرغم من ان معظم حاضري العرض هم من كبار السن ولا يصعب عليهم تذكر تلك المراحل التاريخية، اذا انكرنا معرفة الشباب السوري بتاريخهم.
وأشار المخرج: «لسنا بصدد ان نسلط الضوء على حقبة معينة مثلما تفعل الفرق الثانية، نحن نتناول دمشق عبر عصور، وهنا نحن نتعامل برمزية مع القضية، فالمسرح له رمزيته ويجب على الناس فهمها».
ما اثار الاستياء هو الراقصون، الذين افتقروا للرشاقة المطلوبة، من راقصين هم بالاصل خريجي معهد الباليه في سوريا، والمفروض أنهم يمتلكون خبرة، فالفرقة يعود انشاؤها الى العام 1993، الا ان الراقصين اكتفوا بالدخول من اليمين، والخروج من اليسار وبالعكس، بطريقة اقل ما يقال عنها أنها غير حرفية.
يقول ابراهيم: «انا كفنان رأيت دمشق من وجهة نظري وقدمتها على المسرح، والراقصون في فرقتي تتجاوز خبرتهم السنين العشر وهم محترفون».
العرض تخللته مجموعة أغاني تعبر عن تاريخ دمشق مثل «يامال الشام»، «ياطيرة طيري ياحمامة» وغيرها من الاغاني التي مللناها ومازالت تتردد على مسامعنا ليلا نهار.
ويوضح ابراهيم: «عندما نقول دمشق فاننا نغني «يامال الشام» هذان امران مرتبطان فهذه حكايتنا، فنحن علينا أن نذهب بهويتنا للعالمية، وليست العالمية ان ارقص شيئا لا يخصني، وهذا ما تقع فيه الفرق السورية الاخرى «العرض المودرن»، ولكن ما هي الثقافة التي ترغب في ان تطرحها؟ انا اريد ان ارى فني وثقافتي، مثلا لماذا يرقص الاسبان فن الفلامنكو ويفخرون به أما نحن لا، نحن يجب ان نرقص فلكلورنا، ولكن يجب ان نتعامل معه بصورة جديدة ومختلفة».
والخلاصة أن فرقة اورنينا لم تقدم شيئا جديدا، ما قامت به هو جلبة كبيرة، اثارتها على مواقع الانترنت، وفي اعلاناتها التي ملأت الشوارع لحضور العرض، لذا لم تكن اورنينا مبدعة او مميزة في اي شيء، على الرغم من الشهرة التي تنالها في الوطن العربي.
أما مخرج العمل فيرفض هذا الكلام ويقول: «يكفي أنه توجد هناك مؤسسة اسمها اورنينا، وهي مؤسسة خاصة لا تتبع لوزارة او اي مؤسسة، وهي فرقة محترفة يتقاضى العاملون فيها رواتب شهرية، وهم متفرغون للتدريب، وهي تعمل على تطوير نفسها، لذا نحن نتطور من عمل الى آخر، والدولة من وزارة الثقافة والسياحة غير قادرة على ان تصنع ربع فرقة اورنينا، الدولة لديها فرقة أمية التعيسة، اما اورنينا وانانا فهما حالتان استثنائيتان».
الجدير بالذكر أن فرقة اورنينا السورية للرقص المسرحي التي ولدت في العام 1993 يبلغ عدد راقصيها 30 راقصا، وتعرّف هذه الفرقة نفسها بكونها سفيرة الشرق، وتشارك الفرقة في الكثير من المهرجانات والاحتفالات، ليس على مستوى سوريا فقط بل في كل الدول العربية، قدمت اعمالا عديدة منها العمل الدرامي الراقص «الصوت»، «رايات العودة» بالتعاون مع الرحابنة. «الخيل والهيل – الملاذ – العود عبر التاريخ»، وأخيرا وليس آخرا طوق الياسمين.. وتقوم الفرقة الآن بالتحضير لعملين هما «أوغاريت» و«الإليازة الكنعانية»، بمناسبة احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية.