الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

عودة الإثنيات في عصر العولمة

دمشق - علياء تركي الربيعو

«إفلاس الإنسانية» هذا ما توصل إليه الكاتب الألماني كارستن فيلاند في المحاضرة التي أقيمت في المركز الثقافي الألماني بدمشق، شاركه فيها الدكتور صادق جلال العظم، والتي كانت بعنوان «الإثنية والسياسة»، تم خلالها مناقشة كتاب فيلاند «الدولة القومية خلافا لإرادتها» الذي ترجم للغة العربية في العام 2007 عن دار المدى بدمشق.
عقّب الدكتور العظم على ما جاء في كتاب فيلاند خلال المحاضرة، فلم يوافق العظم على ما أسماه فيلاند بـ«إفلاس الإنسانية»، مشيرا إلى أن الدول الغربية هي التي همشتها واستبعدتها وأهملتها، فانتهاء الحرب الباردة ساهم في ظهور الإثنية، لأن الدول الفاعلة والمقررة تبنت هذا المفهوم، لكونه الأسهل في التعامل مع الدول الأخرى.






بدأت المحاضرة بشرح فيلاند وجهة نظره على ما جاء في كتابه في القسم الأول من المحاضرة، إذ تحدث عن مفهوم الإثنية وكيف تكونت، مشيرا إلى أن سقوط جدار برلين ساهم في بداية الصراعات الإثنية في العالم، فقد شهد العالم تطورا ملحوظا بعد سقوط جدار برلين، ليس فقط في ألمانيا، ولكن في أوروبا كلها في العام 1989، إذ أمل الناس آنذاك أن يروا العالم وقد تحول الى مواطنة وعالم متنور، عالم يمكن أن يواجه المشاكل الكونية، ولكن لسوء الحظ هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح، ولم تتحقق، بل بدلا من ذلك هناك ما نسميه بالإثنية التي ظهرت وأضحت على أجندة الدول في أوروبا، متمثلة في حروب البلقان في بداية التسعينيات من القرن العشرين.
وأشار فيلاند إلى أنه أصبح لدينا اليوم ما يسمى بالمفهوم الألماني، وموضوع الأمة العضوية والإثنية التي في بعض الحالات المتطرفة هي العرق، أي أن لدينا مجموعة من الناس بين مفهومين، مجموعة مفتوحة ومجموعة يغلب عليها العنصر العاطفي الذي يصعب عليك الخروج من إطارهما، إذا الإثنية أو ما نسميها بالبيئة «بيئة الأمة الإثنية» هي التي لا تنظر إليك كشخص، ولإرادتك، بل كمصدر وممول سياسي.
ومن ثم أخذ فيلاند يوضح العناصر المكونة للمفهوم الإثني بين المجتمعات والتي صنفها لخمسة عوامل، أولها الدين الذي يشكل المفارقة الرئيسية بين المجموعات، مشيرا إلى ما حدث في البوسنة ولبنان والعراق والباكستان أيضا.
الأرض .. والعادات
أما العنصر الثاني برأي فيلاند، هو الأرض، وذلك عندما تربط الأرض بمجموعة إثنية معينة، بحيث تصبح الأرض المكان المقدس للمجموعة، مثل ما حدث في كوسوفو وصربيا.
العنصر الثالث تمثل في اللغة، إذ إن التفرقة بين لغتين لديها نفس المواد الأولية اللغوية تكون لأسباب سياسية، ففي البلقان تعلمنا اللغة الصربية الكرواتية، أو في باكستان، حيث تم تمزيق اللغتين إلى أوردو وهندي وهي لغات واحدة ذات فوارق بسيطة.
العنصر الرابع هو العادات التي تلعب دورا أساسيا في لعب دور التمييز والفروق بين المجموعات الإثنية، فالإثنيون يحاولون التفريق بين المجموعات على أسس ومعتقدات معينة، فهناك في الهند الكثير من المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير وهناك أشخاص لا يأكلون لحم البقر بسبب عادات إثنية، وليست هناك مشكلة برأي فيلاند في هذا التعدد الثقافي، إلا أن ما يثيره هو عندما تتحول هذه الاختلافات إلى أساس في أدبيات وأيديولوجيات الإثنيات السياسية.
العنف ... وآخر الأشجار
العامل الأخير الذي يعزز الفروق موجود على مستوى الحشد السياسي والصراعات السياسية، هو العنف بحد ذاته الذي كثيرا ما نراه وتشهده أيامنا، والذي لا يقتصر على القتل وسفك الدماء، بل العنف الذي تشهده بعض البلدان، والتي تشهد ساحاتها صراعا إثنيا، كالعنف الذي تواجهه بعض النساء من خلال اغتصابهن لاعتقاد الطرف الآخر أن هذه العمليات يمكن أن تعيد ترتيب مكونات الإثنية الأخرى، لكون المرأة المغتصبة سوف تلد طفلا ينتمي لمجموعتها.
ويرى فيلاند أننا كنا نعتقد في بداية التسعينيات أننا تخلينا عن الكثير من هذه المفاهيم، وأنه عصر نهاية الكثير من المفاهيم السابقة، إلا أننا وبالنظر إلى العالم نجد نفس الأخطاء السياسية ترتكب مجددا في الهندسة السياسية لمجالات ما بعد الصراعات في العالم، مثلما حدث في العراق بعد الحرب الاخيرة 2003، الذي ولد ما يمكن تسميته بـ«إثنية السياسة» الأمر الذي رأيناه جليا في كثير من حلول الصراعات التي حدثت في لبنان والبوسنة.
ويصل فيلاند إلى نتيجة أن التغيير الحقيقي للعالم، تم في 1989 عند انهيار جدار برلين، حيث دخلنا الإثنية بعد سقوط الجدار، ودخلنا حربا جديدة «مجموعات ضد دول».
وينهي فيلاند محاضرته بالقول إننا نشهد في أيامنا هذه ما يمكن تسميته بـ«إفلاس الإنسانية»، فعلى الرغم من ما بشرت الإنسانية من «نهاية عصر الداعية»، واقتلاع آخر أشجار الزيتون التي تعبر عن كل ما هو من أفكار قديمة، والتي سيحل محلها القرية العالمية والمواطنة الإنسانية، إلا أنه على أرض الواقع نجد أنه لم نستطع أن نتغلب إلى الآن على مصطلح الولادة على أنها عامل سياسي، وأنها تشير إلى أصل الفرد، لذلك نحن نواجه اليوم تخصيص المجموعات، حيث إن الأشخاص لا يسمح لهم بالابتعاد عما ولدوا عليه.
التهميش الاجتماعي والثقافي
أما في القسم الثاني من المحاضرة فقد تحدث الدكتور العظم، موضحا أن الوضع في الوطن العربي يختلف قليلا عن الدول الغربية، فلدينا بالعالم العربي تفسيرات لما تساءل عنه فيلاند في كتابه، أحد التفسيرات هو أن أسباب الصيرورة الانحداري هي التهميش الاجتماعي والثقافي في المجتمع لمجموعات معينة من جانب فئات أخرى مسيطرة، وينتج عنه عواقب، فأحيانا يكون هناك لجوء للعنف والتقسيم والانطواء على الذات وعدم الإحساس بالمشاركة.
تفسير آخر يطرحه الدكتور العظم، هو أنه مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وانتهاء الحرب الباردة التي كان فيها منطق متعال حاكم الكثير من الصراعات الكامنة والتوترات، أي ضابطها بصورة معينة، مع انتهاء الحرب يمكن أن نقول إن انفلات الأمور ساعد على ظهور الإثنية، وأعطى الدكتور العظم مثالا على ذلك، هو ما حدث في الستينيات قصده الحرب بين الهند والباكستان التي اندلعت بقوة، ومن ثم توقفت فجأة وعادت الامور الى ما هي عليه.
أما التفسير الأخير فيرجعه العظم، إلى أنه بعد الحرب العالمية حدث ما يسمى بانفلات العولمة من مراكزها واجتياحها لدول الأطراف عمليا، والذي نراه من هذه الظواهر نوعا من ردود الفعل الانفعالية والمحافظة على الذات فيحدث الالتفاف على الذات ويحدث الصراع على الهوية وتنشأ هوايات جديدة، ولكن نجد لها جذورا وأصولا.
الحال .. والحكومات العربية
بعد المحاضرة فتح باب المداخلات للحضور، الذي كان كبيرا وضم العديد من الشخصيات المثقفة السورية، وأيضا العديد من الشباب،
ما يؤكد الحاجة إلى الشباب السوري وحتى المثقفين لحركة ثقافية نشطة في سورية تخلت عنها المؤسسات السورية الخاصة والعامة، لتأخذ المؤسسات الغربية على عاتقها هذا الأمر.
أحد الأسئلة الذي أثار اهتمام فيلاند تعلق بمدى لوم الحكومات العربية إلى ما آلت إليه الحال في دولها، والذي أجاب عنه فيلاند بأن التحديات مثل أفكار العروبة والقومية ماتزال موجودة، فبالنسبة لحركة التحرر الوطنية ففيها مكونات كما هو الحال في القوميات الأخرى. ووظيفتها كانت إنهاء الاستعمار والامبريالية، أي أن المحتوى كان قوميا إثنيا، وليس الحركة الديمقراطية وفق النموذج الفرنسي، ميزة حركة التحرر العربية أنها لم تدخل في صراعات مع الهوية الدينية، إلا أنه بعد عملية التحرر الوطني تحولت القومية من حركة إصلاح إلى حركة تقلصت حول نفسها وواجهت الآخرين، ووضعت التركيز على الجزء الإثني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما وظيفتها هل هي الاحتفاظ بالعروبة، أم التنوير، أم الوقوف في وجه التغيير؟ بمعنى أو بآخر ما تبقى من حركة التحرر العربية هو كلمة عربي وذهب التحرير على حد قول فيلاند.
يذكر أن كارستن فيلاند هو شخص أكاديمي ودارس للتاريخ، درس في جامعة جورج تاون، وصحافي أمضى وقتا طويلا في الشرق الأوسط، وفي دمشق تحديدا، قام ببحوث ودراسات عديدة في مناطق الصراع مثل البوسنة والهند الباكستانية وجنوب أميركا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق