الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

خيوط الحرير تنسل من التكية الدمشقية القديمة

دمشق- علياء تركي الربيعو
كنان طافش شاب فلسطيني الأصل، لكنه يتقن حرفة دمشقية أصيلة ويعتبر مع عدد قليل من الحرفيين الذين يتقون العمل على النول اليدوي الوحيد الآن في دمشق وسورية لصناعة البروكار، يعمل كنان بمحل «أحمد شكاكي» لمنسوجات ومصنوعات البروكار الشرقي، وأغلب المنسوجات من صنع يديه. يقول طافش: «كان هناك نول آخر في مدرسة وجامع العظم، ولكن منذ شهرين فقط توقف عن العمل لأنه يسبب ضجة تزعج المصلين».



يزدان المحل الدمشقي القديم ببنائه ذي الطابع العثماني، وسط عدد من المحال التي كانت من قبل غرفاً للوضوء أيام الفترة العثمانية والتي تتبع للتكية السليمانية التي تتألف من جامع وغرف عديدة، كانت فيما مضى مكان تجمع للحجاج الذاهبين إلى البيت الحرام. يوضع داخل المحل النول اليدوي الوحيد القادر على العمل، تؤسرك الخيوط الحريرية التي يصاغ منها أفضل وأشهر الأقمشة الحريرية في العالم، ألا وهي البركار الدمشقي.
لم يخف ذلك الشاب حزنه لانحسار هذه المهنة وعدم الاهتمام بها من قبل المعنيين، أو حتى من قبل المستهلكين العرب، وحصرها فقط باهتمامات السياح الأجانب الذين يعتبرون البروكار مطلباً مهماً، ولاسيما بألوانه الطبيعية الثرية ونقوشه الشرقية الدقيقة.
يكمل طافش: «زبائني أغلبهم من السياح، قلما أرى سوريين مهتمين بالبروكار، وذلك يعود ربما إلى ضعف الحالة المادية التي تجعل الناس يفضلون اقتناء أساسيات معيشية عن الحرير الدمشقي».
يسكن الحرفي الشاب خوف من اندثار تلك المهنة، فهو ليس صاحب النول وإنما عامل قوى عوده في المهنة، والطريف أن صاحب النول لم يعلم أولاده حرفة البروكار.
يقول طافش: «كل الظروف المحيطة تقول إن هذا النول لن يبقى طويلاً، بدءاً من رغبة وزارة السياحة بترميم التكية، وبالتالي استرجاع المحل الذي نحن فيه منذ 35 عاماً، ثم منافسة النول الآلي وعدم وجود أشخاص راغبين في تعلم هذه الحرفة التي يرون أنه لا مستقبل لها».
يتألف النول من خمس قطع ألا وهي: الماكينة: التي تعتبر مسؤولة عن الرسمة التي سترسم على القماش «تنفيذ التصميم»، والقطعة الثانية: هي الشبكة «الخيوط الصفراء»، وتسمى في حلب «الشبحة»، وتسمى أيضاً «جاكارة»، والشبكة تأخذ المعلومات من الماكينة، وترفع الخيوط المطلوبة لمرور المكوك بينها، والجزء الثالث: «دفة المشط»، وهي قطعة خشبية تحتوي مشطاً تدخل ضمنه خيوط الرداء أو القماش، وكل فرغة في المشط تتدخَّل ضمنها ستة خيوط، والجزء الرابع: مطواية الخيوط، والقطعة الأخيرة: هي مطواية لف القماش، والسداء كما يوضح طافش عملية تسمى عملية التسدية لأجل تحضير خيوط الأرضية.
يضيف طافش «كل خوفي أن أرى هذا النول قريبا في المتحف الوطني مع بقية تراثنا الذي تحيطه الجدران وأعين الزائرين».
وقد عرف أهل دمشق الحرير منذ القرن السادس الميلادي. إذ ساعد موقع دمشق الإستراتيجي السابق على طريق الحرير في تفرد الصناع المهرة في دمشق بهذا النوع من القماش الحريري ألا وهو البروكار . إذ يصنع البروكار من الخيوط الحريرية الطبيعية التي تدخل فيه المادة الذهبية أو الفضية، لتزيد من جماله وبهائه. يعرف في الغرب باسم (الدامسكو) نسبة إلى دمشق، وتعرضت هذه الحرفة إلى صعوبات في السابق أدت إلى شبه انقراضها، كنقص القوى العاملة الخبيرة بها، وذلك بسب استجرارهم إلى الحروب والأزمات، ولاسيما أيام العثمانيين الذين كبلوا تجار البروكار بالمزيد من الضرائب، بالإضافة إلى عدم توفر المادة الأولية أحياناً، وقد جددت هذه الصناعة منذ حوالي العام 1935 بدخول بعض الآلات الحديثة، ولاسيما أثناء الانتداب الفرنسي لسورية. وكانت صناعة البروكار تعتمد في البداية على الخيط الذهبي من عيار 21 قيراطاً، إذ كان لا يشتريه إلا السلاطين والملوك والملكات وكبار القوم، وقد صنع ثوب زفاف الملكة إليزابث (ملكة بريطانيا) من هذا القماش الدمشقي الشهير، وبرسمات دمشقية على ذلك القماش تسمى (عاشق ومعشوق)، استخدم عيار 12 قيراطاً فيما بعد، ليتمكن كل الناس من شرائه وارتدائه.
يقول أحمد شكاكي صاحب النول: «إن النول اليدوي أكثر دقة من النول الأوتوماتيكي، ذلك أن الإنسان عندما يعمل على النول اليدوي تعمل حواسه كلها وعيونه وعقله، أما النول الأوتوماتيكي فمن الممكن أن ينشغل العامل قليلاً فيحدث خطأ في الرسمة التي تنفذ على القماش، ولا ينتبه إليها».
ويقول طافش «يختلف سعر البروكار من حيث عدد الألوان المستخدمة فيه، فإن كان حريراً كله يتم تحديد سعره بناء على سعر الحرير فقط، أما عند دخول ألوان أخرى فيزداد سعره ويختلف استخدامه، ويتراوح سعر المتر الواحد ما يقارب بين 1000 و 2700 ل.س، وكلما كان عدد الألوان أكثر زاد السعر، بسبب الوقت الكبير الذي تأخذه القطعة أثناء عملها وأغلى شيء هو الذي يحوي سبعة ألوان، عندما أعمل على القطعة فهي تخرج من إحساسي، وليس مثل البروكار الآلي».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق