الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

كنان العظمة.. شاب يسحر جمهوره

يمارس الارتجال الموسيقي على خشبة المسرح
دمشق-علياء تركي الربيعو

ربما من محاسن دار الأوبرا السورية أنها تريك الطبقة الارستقراطية الدمشقية بما فيها من عائلات توارثت الثروة والاسم بأناقتهم الباريسية الفائقة وبأحاديثهم المرفَّهة قبل العرض حيث تشعرك بأنك في بلد آخر وفي دنيا غير دنيا سد الرمق، وربما كان من الجميل أن ترى ذلك الرجل الستيني الوقور إلى جانب زوجته الجميلة بانتظار اعتلاء ابنهما عازف الكلارينت العالمي كنان العظمة خشبة المسرح الموسيقي في الأسبوع الفائت ليبدأ بعزف مقطوعات ألبومه الجديد (قصص مركبة، أصوات بسيطة)، إلى جانب شريكه بهذه التجربة عازف البيانو الكندي الجنسية السيرلانكي الأصل (دينوك ويجرانته ) الذي دخل المسرح حافي القدمين وكأنه يدخل إلى معبد.



بدأ كنان عزفه الأشبه بتراتيل ساحرة من خلف الجمهور الحاضر على المدرج إلى أن وصل إلى خشبة القاعة، تلك الموسيقى التي مزجت موسيقى شرق آسيا بآخر ما تعلمه الموسيقيان الشابان من دراستهما الآكاديمية في نيويورك.
يقول كنان «الألبوم الذي يتألف من ثماني مقطوعات موسيقية يعكس عنوانه، فهو ليس قصصا مركبة، وإنما قصص بسيطة، ولكن بأصوات مركبة، هو خلاصة تجربة امتدت لسنوات كان شريكي بها ويجرانته، ذلك البيانيست «المجدد في طرق العزف على البيانو».
سنوات التعلم والتجريب
من يستمع إلى موسيقى كنان يدرك تماماً أن تلك الحرفية هي ابنة سنوات كبيرة من التعلم والتجريب والدراسة، فكنان الموسيقي الأكاديمي، 34سنة، الذي لم يبخل بأي جهد لإتقان موسيقاه منذ كان في السابعة حين دخل المعهد العربي للموسيقى والذي كان يديره الموسيقار العراقي الراحل صلحي الوادي ومن ثم ليتلحق بعد إنهاء تعليمه الثانوي بالمعهد العالي للموسيقى ليكمل اختصاصه بالعزف على آلة الكلارينت ،لكن ما يبهر بالنسبة لكنان ليس دراسته للموسيقى فقط، بل لأنه خريج كلية الهندسة الكهربائية من جامعة دمشق، الاختصاص الأصعب في الجامعة ومقبرة الطلاب كما يسمونها، واصل كنان دراستة الموسيقة في معهد جوليارد الموسيقي في نيويورك حيث حصل على درجة الماجستير، وهو الآن على وشك إنهاء رسالة الدكتوراة في التأليف والتلحين الموسيقي.
يعرِّف كنان آلته الموسيقية بأنها آلة نفخ خشبية تتمتع بصوت دافئ، ذات استخدامات متعددة ومتنوعة، لها وجود بالموسيقى الكلاسيكية والشرقية (تركيا وهنغاريا)، ولها وجود بموسيقى الجاز، وهذا ما يثبت برأيه أنها آلة شديدة المرونة، ومن مزاياها التقنية الخاصة أنها تمتلك مسافة صوتية عالية جداً بين نوتات القرار والجواب.
زار كنان العالم عازفاً منفردا في أهم المسارح في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة وسورية، ومن ضمن حفلاته كعازف منفرد ظهوره على خشبة قاعة تشايكوفسكي الكبرى في موسكو العام 1997، وظهوره عازفاً منفرداً مع الفرقة السيمفونية الوطنية في أول جولة لها في الولايات المتحدة.
ولكن كنان لا يرى العالمية أو الشهرة مقرونة فقط بالسفر إلى الخارج، مشيراً إلى عالمية كثير من الموسيقين العرب رغم عدم تجاوزهم حدود بلادهم، ولكنه مع ذلك لا ينفي الدور الكبير للاختلاط الموسيقي، والتعرف على أهم المدارس الموسيقية في العالم.
المعادلة بسيطة بالنسبة لكنان للوصول للعالمية «أن تعمل بجد، وأن تخلص لموسيقاك التي لا بد أن توصلك يوماً».
مع مارسيل خليفة
يعتبر كنان مشاركته الأخيرة مع الفنان اللبناني مارسيل خليفة في حفلاته التي أقامها في دمشق، والتقديم الجميل الذي قدم به مارسيل لكنان على المسارح المختلفة شهادة يعتز بها، ولاسيما من موسيقي عالمي مثله. وخصوصا أن مارسيل كتب شهادة إعجاب في مقدمة ألبوم كنان الجديد.
وكان لكنان تجربة موسيقية رائدة عبر تأسيس فرقة حوار منذ ست سنوات، وهي تجمع بين آلات شرقية وغربية والتي يعتبرها كنان محاولة لتخطي حواجز الخلافات الثقافية والمفاهيم الخاطئة عن الشباب العربي، بقصد بناء جسر ‏حضاري يعزز أبعاداً اجتماعية وسياسية مختلفة بقدر ما يحمل أبعاداً إبداعية وموسيقية.‏
وكان كنان يبحث في تلك التجربة عن سؤال يوجهه ليس فقط للموسيقين، وإنما للكثير من المثقفين العرب هو: أين نحن، وأين مكاننا بين الآخرين؟
لا يرى كنان أن لدينا جمهورا موسيقيا، أو جمهورا يعنى بالموسيقى الكلاسيكية مقارنة مع غيرنا من بلدان العالم، على الرغم من الانفتاح الموسيقي الحالي بين الشباب، ولكن الوضع الآن مقارنة مع الوضع السابق أفضل بكثير. ويرجع كنان ذلك إلى مسؤولية بعض الموسيقيين عما يحدث من ابتعاد الناس عن الموسيقى الكلاسيكية، وخاصة عندما نردد أن هذه الموسيقى لها جمهورها النخبوي الخاص، وأن هذا الجمهور يجب أن يتمتع بقدر من الذكاء ليستطيع فهمها؟ «هذه الأمور تخيف الجمهور وتجعله يبتعد عن هذا النوع من الموسيقى، إضافة إلى أن وسائل الإعلام ساهمت في ذلك، ليس فقط عن طريق الفضائيات، ولكن أيضاً على صعيد الإذاعات التي لم تعد تذيع الموسيقى الكلاسيكية، إلا في حال وفاة إحدى الشخصيات الهامة فتحولت الموسيقى الكلاسيكية إلى موسيقى جنائزية».
فسحة للارتجال الموسيقي
يترك كنان في أمسيته الموسيقية الأخيرة فسحة للارتجال الموسيقي الذي يعتبره متعة حقيقية. والتي هي إبداع طازج من رأس المبدع إلى الجمهور، كما يصفها في أحد لقاءاته.
يقول كنان: «الارتجال ببساطة هو التأليف على خشبة المسرح، ويكون عادة غير موثق، يؤلف ويقدم مباشرةً وينتهي مباشرةً في اليوم الثاني من ذهن العازف والجمهور».
ينهي كنان أمسيته وهو يسأل نفسه: هل استطعت بالفعل أن أجذب الآذان إلى موسيقاي الخافتة؟ هل أبدعت؟ هل قدمت شيئاً جديداً؟ أسئلة كثيرة بإجابة واحدة كان ذلك التصفيق الحاد الممزوج برعشة الموسيقى في قلوب الحاضرين، والنشوة السحرية في الأذهان المحلِّقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق